" خارج التغطية "
هل أُفشي إليك سراً ؟
بعد عقودٍ من الزمن نستطيع أن نفشي بعض الأسرار .. وهو سرٌّ صغير جميل ينام على كتف القمر منذ عقود .. فلماذا لا أرسله إليك مع صباحات العيد ؟
في ليالي العيد يحلو الكلام وتفوح منه مع رائحة الكعك رائحة الذكريات .. وأنتَ في هذه الليلة تقف أمامي مبتسماً كعادتك حين ألوح إليك أنني قد أفشي إليك سراً .. قد أبوح إليك بماذا فعل بيَّ ذلك الليل العنيد ذات مساء ..
حين أتاني خريف عاصف .. في أيلول فائت .. لا أعرف .. لم أعد أذكر بالضبط أي أيلول ذاك الذي زمجر فيه وكشر عن أنيابه .. فلم تحتمل أنتَ رياحه الباردة .. لم تحتمل رياحه العاصفة .. فذهبت إليها ..
ربما كانت هي كالنسمة ..
أنا لا أنكر عليها وعليك ذلك ..
ربما كانت هي دافئة جداً في أيلول عاصف مدمر ..
ربما كنتَ أنتَ تخشى البرد وتخاف من العواصف وتركن إلى الهدوء ويطيب إليك سماع صوتها العذب الممتلئ غنجاً وأنوثة ..
لا أنكر عليها وعليك ذلك ..
ما ذنبي أنا إن كنتُ من زوابع أيلول ونتاج إحدى ثوراته .. لكنّي أملك قلباً نقياً .. رياناً .. صافياً .. حلو المذاق كحليب أمنا حواء .. هو أيلول من أورثني رغماً عني بعضاً من جنونه فكنتُ شعلة من الغيرة .. لكنها كانت غيرة عليك .. كانت غيرتي كلها عليك .
ذهبتَ أنتَ إليها وأنا أنظر إليك من ثقب الباب .. لم أستطع اللحاق بك .. خفت أن تراني خلفك فلا تعود .. أرسلتُ خلفك فينوس .. وصيفتي ورفيقة أفكاري التي أشعلتها على رؤوس أصابعي كي تحرسك .. أمرتها أن تضيء عليك عتمة الدروب .. وألا تتلصص عليك .. إلا ما ندر .. وما يكفي لتبرد نيران غيرتي عليك ..
فشلت فينوس وكنتُ أظنها لا تفشل .. فشلت بعد أن أوصدت بابك في وجهها ولحِقتَ نجوم السماء التي تعشق وأنتَ في أشد حالات الغضب .. تلك النجوم التي هي دائماً خارج سيطرتي .. التي لا أملك عليها أفعال الأمر والنهي .. والتي لا تسمع مني الكلام .. كم أمرتها في أيام الصفاء أن تقرأ إليك فنجاني وتبوح إليك بسرِّ أسراري .. لكنها بكل كبرياء رفضت .. وترفعت .. وبقيت في علياء السماء لتحرسك ..
أخذتَ تُمعن في البعد .. وأنا أخذ يمزقني إليك الاشتياق .. تجلدني سياطه كلما هبَّ الليل وقبل أن يسعفني الفجر بضيائه .. أنتَ وعنادك تبحران في البعد .. ومراكبكما لا ترسو على شاطىء .. وأنا أغرق في ظلمة الاشتياق دون بصيص نور يرسمك لي لو لبرهة من الوقت على نوافذ النهار .
كانت ليلة غامضة جداً .. تحررت مني الحروف بشراسة .. كتبَت إليك دون مشيئتي قصة الليل بكل حذافيرها .. وطار بها الليل إليك .. ليحضرك إليَّ .. طار إليك الليل خلسة عني .. ثم عاد بخفي حنين ..
أنتَ لم تأتِ معه ..
وأنا أصبحت أتقد كالجمر .. وأخشى أن أذوب كالرماد على أسطر الوقت .. فأرسلتُ إليك الليل مرة إثر مرة .. وعاد الليل خالياً منك ..
كم مرة انتظرت الليل أن يحملك إليَّ .. وما كان يصل إليك .. وما كان يحمل منك أي أمل باللقاء ..
واشتعل الجمر في قلبي .. وعصف بكل كياني .. وأصبحتُ رماداً على ورق .. وبعد أن لاح ضياء الفجر رأيت وجهك الباسم يلقي إليَّ بورود الصباح ..
وكأن شيئاً لم يكن ..
وكأن هذا الليل ما ذابت أقدامه على باب بيتك ..
وكأن هذا الليل توقف لو لثانية من الوقت عن رجاء الصباح والتوسل إليه أن يتأخر قليلاً كي تأتيني أنت .. ونشعل معاً شموع العيد .. وأبوح إليك بسري ..
لكنك كنتَ ساعتها خارج التغطية ..
وحين عدتَ إليَّ في ذلك الصباح كنتُ أنا وهذا الليل قد أصبحنا رماداً في رماد ..أصبحنا رماداً حين كنت َأنتَ كعادتك خارج التغطية .
المشاركات الشائعة من هذه المدونة
صباح الياسمين
صباح الياسمين لن ألقي بمفردات اللغة جزافاً ॥ ولن أسجل تواريخاً وهمية لا قيمة لها ولا معنى ॥ ولن أقول أيضاً من هنا فليكتب التاريخ أول حروفه ومن هنا فلتُسطر جميع العناوين ॥ سأدع اللحظة تكتب نفسها بنفسها .. تكتب نفسها بياسمينها وصباحها الذي أمطر يوماً بالياسمين . كان يوماً من أقصرأيام العمر .. يزحف ليله البارد على نهاره المشمس فيقضم منه كل ما هو عذب وجميل ومشرق ودافىء .. كان يوماً وجلاً .. مترقباً .. زاحفاً يحمل عبء الأيام على كتفيه ويجر سنين العمرعلى عضلات قلبه .. كان يوماً مهملاً .. مغفلاً من حسابات البشر .. معلقاً على جدائل النسيان .. مطروحاً من جميع ثمار الحياة وفاكهة الصيف المنتظر .. تناولته بيد ترتجف من البرد وقلب مات قلبه منذ دهر .. كان هناك ينتظر على رف من رفوف مسجاة طالتها عنوة براثن الهجر في مفكرة هذا الزمان .. وألقيت إليه دون أن ألتفت إلى ملامحه إن كانت تراني وأنا ألقي إليها بعضاً من الكلمات الباردة .. تمتمات شاردة من ذيل ليلي الذي يغمره صقيع الوحدة والضجر وتكسو أشجاره ثلوج الارتياب من كل ما هو مشع وبراق . لم أكن أدري أن الياسمين له أوراق كباقي الزهر .. لم أكن أدري أن الياسمين ...
أحلم بالعيد بماذا أحلم يا عيد؟ بماذا أحلم يا غزة؟ يا قدس؟ يا كل شبر في وطني فلسطين؟ غزة... حكاية الوجع غير المنتهي، كم كان نصيبك من الأعياد المعلقة؟ منذ متى لم يزرك العيد؟ لم تعانقك صباحاته؟ لم تلفحك خيوط فجره بنسائم لها مذاق العيد وكعك العيد؟ قدسي... رحلة الشوق الممتدة إلى عنان السماء، كم اشتقت إليك؟ كم اشتقت لبيتي في رحابك، لأحبتي، لطفولتي، لملعبي، لمدرستي، لحارات القدس العتيقة، للمسجد الأقصى، لساحات الحرم، لأصدقاء الطفولة، وأرجوحة العيد! أيها العيد الجديد أحلامي هي أحلام كل لاجئ... بيت له سقف لا تتساقط أسطره فوق رأسي عند كل علامة استفهام؛ مللت البيوت المتصدعة وأسقف (الزينكو)، بيت يكون وطنًا لي ولأولادي في حاضري وغدي كما كان لأبي وجدي في الأمس. صباح أقبض عليه بين أصابع يدي... لا يسلبه مني أحد، لا ينتزعه أحد، لا يشاركني في رسم خيوطه وتشكيل همزاته أي أحد. شمس أرجوانية، ساحرة الملمس، تدفئ قلبي اليافع، تدغدغ مشاعري الحالمة، وتعدني بنهار لم يسبقني إليه أحد. تحية صباح منزوع منها الغلّ، لها لون واحد هو لون الشمس، ومذاق واحد هو مذاق الحب، ورائحة واحدة هي رائحة العيد. معانقة الأحبة حبًا في ال...
تعليقات
إرسال تعليق