المشاركات

في الذكرى الخامسة لرحيل أخي جواد البشيتي

في الذكرى الخامسة لرحيل أخي جواد البشيتي تبكيه بحرقة؛ فقد كان رحيله مفاجئًا؛ أدمى قلبي عويلها، أقترب لأخفف عنها لكنى أخشى أن تراك في عيوني فتخر أرضًا؛ لتيقنها أن هذا الفقد لن ينسى، وأن هذه اللحظات ليست عابرة؛ فلغة الفقد أكبر من لغة الحزن، ولغة البكاء، وضجيج الذكريات... ومع ذلك فأنا أعظها بالنسيان، وتخطي هذا الحزن، والنهوض من جديد... ثم أتكئ على ذراعيها لأنهض! لم أعد أنقل إليك أخبار الوطن؛ فهي أخبار حزينة... أكبر من كل الحزن الذي عرفناه يا جواد؛ فهناك خريطة جديدة للألم؛ وطرق منزوية، منزوعة الأمل... لكن من كتبت عليه خطى مشاها... وها نحن نمشي نحو المجهول، ونربى في داخلنا عناقيد الأمل؛ ربما تثمر يومًا ونقطف منها جنان الوطن! نم قرير العين يا حبيبي... أن استطعت أن تغفو؛ بعد أن أحتل الأرق جفني الوطن، وتاهت على أهدابه قوافل المهجرين من وإلى منافي العدم.

بنكهة الزيتون في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أمي

  بنكهة الزيتون في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أمي  ليس صعبًا عليَّ أن أفتتح حديثًا معك يا أمي؛ فأنت في حضورك وفي الغياب تبقى نوافذك مشرعة للحب والكلام، تبقى أذنيك منصتة، حواسك متيقظة، تمرُّين بيد شفافة على الألم فيمحى، تلثمين الدموع قبل أن تسقط أرضًا وتفقد هويتها، تحتضنين كل هذا الأنين دون أن يكون هنالك شبر من جسد، تكونين كل الوطن حتى لو أصبحت حفنة من الرمل. لم أشك يومًا بأن رسائلي إليك تصل؛ فالحبل السري الذي يربطنا لم ينقطع بهذا الرحيل؛ بل بقيَّ نورًا سرمديًا يلف الأماكن والأزمنة إن اشتد الظلام حلكة أو تاهت منها بعض الدروب. لم أوافيك بالأخبار كعادتي القديمة؛ فالأخبار ثقيلة جدًا تكاد لا تحملها الشواهق  والجبال... لكننا راسخون كالقلاع يا أم، صامدون بوجه الريح والأعاصير... لكنها البراكين والزلازل غدرت بكل المواثيق والعهود، تنفجر في حليب الرضع وعكازات الجدود، تندلع نيرانها فتلتهم كل ما في الخيام من جلد ووتد، ومع ذلك فالأرض تحت أقدامنا صلبة ترفض أن تنفلق، والصخر ناشف يتشبث بنا بكلتا يديه ويحتضننا برفق، والسماء تمد إلينا أيادي الرحمة؛ تطبطب على فلذات أكبادنا، تلثم جراحنا، وتعدنا...

طريق جديد في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أبي

طريق جديد  في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أبي في هذه الذكرى التي لا تغيب عن البال نتذكرك في كل لحظة، وربما أكثر من ذي قبل؛ لكن الكلمات مختنقة في الحلق والقلب وعلى طرفي اللسان. الكلمة ان لم تجد لها صدرًا رحبًا يستقبلها، يحتويها، يطبطب على كتفيها، يلثم جراحها... ستبقى غريبة، وتنزوي في حجرات القلب الداخلية إلى ان تموت. ليس سهلًا عليَّ أن أخبرك أن دائرة الشتات اتسعت وبلعت كل شيء في داخلها، وأن الغربة لم تعد مجرد سور يفصلنا عن الأحبة، بل أصبحت صندوقًا زجاجيًا محكم الإغلاق! ترى من خلاله كل شي، ولكنك لا تستطيع أن تنقل قدميك خارج هذا الصندوق، ولا أن ترفع يدك ملوحًا بأية شارة لمن يتحرك خارج هذا الصندوق ولا يراك! يؤنسني التحدث إليك... حتى لو لم تشاركني هذا الحديث! أتذكر أحاديثك فيما مضى، أتذكرها كلها؛ أجدها تطابق هذا الحال_ حتى لو مرَّ الكثير من الأعوام_ لا تزال تليق بالمقال، الزمان، المكان، الشتات، وأنني لا أزال أهتدي بها وأسترشد فيها؛ فهي منارتي وملاذي داخل جدران هذا الصندوق. نم قرير العين يا أبتي واعذر قلة كلامي؛ فأنا أدركت جيدًا _ولكن متأخرة بعض الوقت_ أنك كنت داخل صندوق مشابه لهذا، ولكن ال...

عام هِجْري هِجْري

عام هِجْري هِجْري معذرة منك يا رسول الله، ومن الصحابة، والخلفاء، والتابعين، وأصحاب المذاهب المتفق عليها وغير المتفق؛ علمًا بأننا لم نكن نعرف معنى ألا نتفق، أو أن نختلف، لم نكن نحمل في صدورنا معنى التناقض، التباغض، اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؛ فها هو قد أفسدها وجعلها خرابًا. اليوم نحن نعيش في عصر العصور، عصر لم يولد له اسم بعد، لم يرد له سابقة فيما مضى، ليس له شبيه في الخلقة أو الخلق، لم يسبقنا إليه أحد؛ على الرغم من أننا خضنا آلاف المعارك والغزوات، هزَمنا وهُزِمنا مليون ألف مرة، لكننا لم نكن أمه لا لون لها ولا طعم... لكنها لها رائحة نفاذة؛ رائحة الخذلان والتخلي والخيانة! نحن الآن أمة هزَلت أشد مراحل الهزل، كُسرت آلاف المرات، هُدمت وبُنيت، كسُرت وجُبِرت، رُممت كي لا تسقط عظامها أرضًا... ثم صُلبت! على عيونها بُسٍطت غشاوة مبطنة، ومن نوافذ القلب تصاعدت أبخرة من اللهب؛ سواد لا تضيئه أعين الشمس والقمر، وفي لبِّ الوجدان زُرعت أحقاد وضغائن لأي أحد، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يكثرون من الصلاة على النبي، بل ويصرون على أنهم خير خلف لخير سلف! قل لهم: أنني بريء منكم؛ أسفي عليكم أكبر من امتداد هذه ا...

كفوا عن الملامة

كفوا عن الملامة كفوا عن الملامة فأنا متعبة؛ تأكلني بلا هوادة علامات التعجب والاستنكار، تلوكني في فمها علامات الاستفهام، تمضغني بين أنيابها دهرًا من الزمان، ثم ترميني بلا شفقة حطبًا وأعواد ثقاب إلى مواقد الانتظار. لا تبعثروا سلال العتاب كيفما شاء ووقتما شاء، لا تلقوا بها بوجه الريح؛ فالرياح عاتية بالخارج... هذه الرياح غريبة عنا؛ فقد تخون، قد تغدر، قد تبعثرنا على حبال غريبة وأسطح غير صديقة، قد تقرأ رسائل الأحبة عنوة وتفضح لحظات الانتظار! فلا تطيلوا الملامة والعتاب. تتساءلون عن سرِّ هذا الغياب، عن طوله، قسوته، مرارته؟! أتظنون أن قلبي لا يتمزق عليكم وأنتم تطلقون صفارات النداء؟ أنا يا رفاق لم أكف ثانية عن الدعاء بأن يلهمكم الله الصبر، ويمنحكم القوة؛ فتتوقفوا عن ممارسة هذا الانتظار العبثي! أنتم لا تدرون كم هو مؤلم هذا الانتظار، وكم هو موجع الشعور بالعجز عن تلبية النداء؛ فلا تحدثوني بخبث عن الوفاء فأنا لا أزال لهذه اللحظة أقف شامخة على أسواره؛ أبحلق بتلك الصور التي قصفت أغصانها وبعثرت أزهارها، ألملم منها صدى ضحكات كادت أن تختنق من نقص الهوا، أنا أحاول دون أن تدرون أن ألملم هذا الفضاء! هذا الف...

في الذكرى الرابعة لوفاة الحبيب أخي جواد البشيتي

في الذكرى الرابعة لوفاة أخي الحبيب جواد في ذكرى وفاة أخي الحبيب جواد الله يرحم روحه ويغفر له ويجعل مأواه الجنة  مع انه لم يغب عن البال... كأنه لا يزال بيننا، لكن غيابه موجع، ومكانه خال... لكنها مشيئة القدر  الله يرحمه ويرحم جميع امواتنا يا رب لروحك الطاهرة يا جواد ألف سلام

بعد إذن الغضب في الذكرى الثالة عشر لوفاة أمي

بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي دع عنك هذا الغضب... إنها السحر في حرفين، نلقي بهما على وجه الآخر فيرتد له لونه وهدوءه ويعود الربيع يزهر في حدائقه وتتفتح على شفتيه ورود الحياة... ثم يبدأ برسم المواعظ، وإلقاء النصائح، كأن شيئًا لم يكن، كأن غضبًا لم ينفجر! بعد إذنك أيها الغضب أنت لم تعد مرآة للبراكين التي تتأجج داخل الروح وتحترق وتُبتلع نيرانها خوفًا من ان يُفتضح سرُّها ويُذاع صيتها بأن غضبها خرج عن السيطرة، رغى وزبد وعربد في الأرجاء ثم انفجر، أنت لم تعد ذلك الغضب المنفجر! كنتَ سيد الموقف بلا منازع، كنتَ تخرج إليهم من ثقوب الأبواب، من الزوايا والهوامش، من النوافذ وفتحات الجدار، كنتَ تنفرد على الأسطح الخشنة، وتنتشر مع ذرات الهواء الخانقة، وتسبح عكس التيار وفي كل الاتجاهات، ترفع ذراعيك لتحتض كل الزوابع ثم تسقط مدويًا بكل أعاصير الغضب. اليوم أصبحت أخرس، لا تنطق مهما اقتربت من شفتيك أشهى الحروف، لا شيء يغريك بالصراخ، لا قوة تنتشلك من سكوتك، لا أمل عندك بثوران الخريف أو بشتاء جارف يسبق الآوان، أو بربيع له لون الجنان، أو بصيف كذلك الذي خلعناه عند عتبات الخيام! وإن اشتعلت فكما تش...