في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أبي



في الذكرى الرابعة عشر لرحيل أبي
في هذه الذكرى التي لا تغيب عن البال نتذكرك في كل لحظة، وربما أكثر من ذي قبل؛ لكن الكلمات مختنقة في الحلق والقلب وعلى طرفي اللسان.
الكلمة ان لم تجد لها صدرًا رحبًا يستقبلها، يحتويها، يطبطب على كتفيها، يلثم جراحها... ستبقى غريبة، وتنزوي في حجرات القلب الداخلية إلى ان تموت.
ليس سهلًا عليَّ أن أخبرك أن دائرة الشتات اتسعت وبلعت كل شيء في داخلها، وأن الغربة لم تعد مجرد سور يفصلنا عن الأحبة، بل أصبحت صندوقًا زجاجيًا محكم الإغلاق! ترى من خلاله كل شي، ولكنك لا تستطيع أن تنقل قدميك خارج هذا الصندوق، ولا أن ترفع يدك ملوحًا بأية شارة لمن يتحرك خارج هذا الصندوق ولا يراك!
يؤنسني التحدث إليك... حتى لو لم تشاركني هذا الحديث! أتذكر أحاديثك فيما مضى، أتذكرها كلها؛ أجدها تطابق هذا الحال_ حتى لو مرَّ الكثير من الأعوام_ لا تزال تليق بالمقال، الزمان، المكان، الشتات، وأنني لا أزال أهتدي بها وأسترشد فيها؛ فهي منارتي وملاذي داخل جدران هذا الصندوق.
نم قرير العين يا أبتي واعذر قلة كلامي؛ فأنا أدركت جيدًا _ولكن متأخرة بعض الوقت_ أنك كنت داخل صندوق مشابه لهذا، ولكن الحياة لم تسعفني كي أفهمك في ذلك الوقت، فهمت الآن بعد فوات الآوان! وحيث أنني لا أؤمن بالندم، ولا أجد منه فائدة تذكر فأنا مثلك أرضى بما قُسم لنا، وأتأمل أن يتغير هذا الحال إلى حال أفضل، وأن ينشق هذا الصندوق وتطل منه نوافذ، شرفات، أبواب، طريق لحياة أفضل، أجمل، حياة تليق بنا، ونليق بها... داخل صندوق اسمه وطن.

تعليقات


  1. طريق جديد

    في ذكرى رحيلك التي لا تغيب عن البال نتذكرك كل الوقت وربما أكثر قليلًا؛ لكن الكلمات مختنقة في الحلق والقلب... تفرُّ الشجاعة منها لتنجو فتتبعثر وتتناثر على طرفي اللسان؛ فالكلمة ان لم تجد لها صدرًا رحبًا يستقبلها، يحتويها، يطبطب على كتفيها، يلثم جراحها، ستبقى غريبة، وحيدة، وستنزوي في حجرات القلب الداخلية إلى ان تموت.

    ليس سهلًا عليَّ أن أخبرك أن دائرة الشتات اتسعت وبلعت كل شيء بداخلها، وأن الغربة لم تعد مجرد سور يفصلنا عن الأحبة، بل أصبحت صندوقًا زجاجيًا محكم الإغلاق! ترى من خلاله كل شي، ولكنك لا تستطيع أن تنقل قدميك خارج هذا الصندوق، ولا أن ترفع يدك ملوحًا بأية شارة لمن يتحرك خارج هذا الصندوق... ولا يراك!

    يؤنسني التحدث إليك... حتى لو لم تشاركني هذا الحديث! أتذكر أحاديثك فيما مضى، أتذكرها كلها؛ كأنها ولدت للتو، في هذا الزمان والمكان... لو مرَّ عليها العديد من الأعوام فهي لا نزال ابنة هذا الزمان، المكان، التيه، الشتات، لا تزال تُقال بملء الفيه، ولا أزال أهتدي بها، أسترشد فيها؛ فهي منارتي، وملاذي، وطريق العودة إلى البيت داخل جدران هذا الصندوق.

    نم قرير العين يا أبتي واعذر قلة كلامي؛ فأنا أدركت جيدًا، ولو أنها متأخرة بعض الوقت، أنك كنت داخل صندوق مشابه لهذا، ولكن الحياة لم تسعفني كي أفهمك في ذلك الوقت... فهمتك الآن، بعد فوات الآوان! وحيث أنني لا أؤمن بالندم؛ فأنا مثلك، أرضى بما قُسم لنا، ومتيقنة تمامًا بأن الخير داخل كل شر، وأتأمل أن يتغير هذا الحال، وأن ينشق هذا الصندوق فتطل منه نوافذ، شرفات، أبواب، وطريق جديد للحلم القديم، لحياة أجمل، حياة رسمناها بدموع القلب والعين، رويناها بالكثير من الدماء، حياة تليق بنا، نستحقها بكل عنفوان، حياة تحمل اسمنا وهويتنا، لها نفس ملامحنا التي لا تذوب... داخل صندوق جميل اسمه الوطن.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

من خاطرتي بين شفتي الكلام

بوابات الانتظار