عام هِجْري هِجْري



عام هِجْري هِجْري
معذرة منك يا رسول الله، ومن الصحابة، والخلفاء، والتابعين، وأصحاب المذاهب المتفق عليها وغير المتفق؛ علمًا بأننا لم نكن نعرف معنى ألا نتفق، أو أن نختلف، لم نكن نحمل في صدورنا معنى التناقض، التباغض، اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؛ فها هو قد أفسدها وجعلها خرابًا.
اليوم نحن نعيش في عصر العصور، عصر لم يولد له اسم بعد، لم يرد له سابقة فيما مضى، ليس له شبيه في الخلقة أو الخلق، لم يسبقنا إليه أحد؛ على الرغم من أننا خضنا آلاف المعارك والغزوات، هزَمنا وهُزِمنا مليون ألف مرة، لكننا لم نكن أمه لا لون لها ولا طعم... لكنها لها رائحة نفاذة؛ رائحة الخذلان والتخلي والخيانة!
نحن الآن أمة هزَلت أشد مراحل الهزل، كُسرت آلاف المرات، هُدمت وبُنيت، كسُرت وجُبِرت، رُممت كي لا تسقط عظامها أرضًا... ثم صُلبت! على عيونها بُسٍطت غشاوة مبطنة، ومن نوافذ القلب تصاعدت أبخرة من اللهب؛ سواد لا تضيئه أعين الشمس والقمر، وفي لبِّ الوجدان زُرعت أحقاد وضغائن لأي أحد، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يكثرون من الصلاة على النبي، بل ويصرون على أنهم خير خلف لخير سلف!
قل لهم: أنني بريء منكم؛ أسفي عليكم أكبر من امتداد هذه الأرض على مرمى البصر، أعمق من أنهار الدم المسفوح في باطن غزة، أشد غزارة من دموع الأرامل والثكالى هناك، أكثر حزنًا وألمًا وفجيعة من بكاء الأطفال وهم يستجيرون بكم ولا ملبٍ للنداء!
كيف أصبحتم عبيدًا وقد كنتم السادة والحكم، كيف أصبح منكم الكفرة والفجرة ومنكم قد انبعثت الرسالة والهدى، كيف أصبحتم رمادًا بعد أن كنتم صخورًا ونسورًا، كيف أصبحتم يتامى تلهث خلف موائد اللئام، كيف أصبحتم عظامً هشة في قراطيس، كيف أصبحتم رسائل فارغة من كل معنى؟
كنتم خير أمة أخرجت للناس... فبتم أمة خرجت بلا عودة، ضلت طريقها فتاهت وغابت بعيدًا عن الأنظار والسمع، أميطوا اللثام عن عيونكم وقلوبكم، أفيقوا من سكرات الهزل، أنعشوا أفئدتكم قبل أن ينخرها العفن، امسحوا غبار المعارك الخاسرة عن وجوهكم وانفثوا في وجه الشيطان كل المكائد والفتن، امسحوا على قلوب أنهكها الظلم والهجران وافرشوا إليهم أياديكم أرصفة وأفئدة إلى أن تلتئم جراح الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

من خاطرتي بين شفتي الكلام

بوابات الانتظار