بلون السراب
بلون السراب
ريح شرسة وسوست إلي فأطفأتُ الشموع، وكسرتُ
المصابيح، وهدمتُ المعبد على من فيه، وشققتُ ذكرياتنا ففصلت رأسها عن الجسد، ومسحت
قبلاتنا عن االوسائد والمرايا ولفائف التبغ.
لم أصغِ إلى رجاءك، وتوسلك إليَّ بالبقاء! لم
تشفع إليك نظرات الحيرة المبعثرة على محياك، والدهشة التي كانت ترتعد خوفًا على
شفتيك، وبريق الأمل وهو ينسكب من بين يديك فينكسر، ويتشظى، ويصبح بلون السراب.
وحيدًا تركتك، منبوذًا كصنم يتيم يستند إلى جدارٍ
آيل للانهيار، مهجورًا، ممزق الخاطر والوصال، وعلى ملامحك انتثرت ألف علامة انكسار.
وشت بك الريح
وأذاعت سرك على الملأ وبقية والجوار: أنك ترى في منامك الكثير من الفاتنات، تقص
عليهن القصص والحكايات، تداعب ضفائرهن بالورود الحمراء، تختلق الأكاذيب الملونة لتبيعهن
السراب.
لم أكذب الريح... ثارت ثورتي، وانتفض الشك في
مخيلتي فابتلعت الشمس في جوفي، وصفعتك برايات الظلام، ولم ألتفت خلفي لأحصي ضحايا
الريح وضحايا الشك.
اليوم عادني صوتك بالمنام، عاتبني برقة، وأقسم
بأغلظ الأيمان: بأنه لم يعرف الكذب يومًا، وأن الريح وسوست إلي... فأسأت بك الظن،
ورفعت بوجهك أعمدة الظلام، ورجمتك بآلاف الحصى، وأحرقت قلبك بفتائل النار.
أدركت متأخرة أن الريح كانت كاذبة، جدران
المعبد، الأبواب، النوافذ، الأشجار المحيطة، الحمائم... جميعهم كاذبون... أما أنتَ
فقد كنتَ الحقيقة الوحيدة لكن بلون السراب.
تعليقات
إرسال تعليق