من حكايات الربيع .. سمك مشوي !

من حكايات الربيع
سمك مشوي !
رنَّ جرس الباب , استغربت من ذلك ,  فجميع أفراد الأسرة في المنزل , في هذا الوقت , فمن يكون الطارق ؟
وضعت عباءة الرأس , وفتحت البوابة , ولكني لم أجد أحداً .. تلفتُّ حولي فوجدت رجلاً يجرُّ عربة  قادماَ نحوي .. حين أقبل أشار إلى صندوق أبيض مغطى على العربة .. قلت له بلغة لا هي عربية  , ولا إنجليزية , ولا هي من شارات الصمَّ والبكم , افتحه .. فهم عليَّ على الفور , وفتح الصندوق , فوجدت فيه سمكاً صغيراً  شهيُّ المنظر , برتقالي اللون , تضحك عيونه وكأنه لا يزال على قيد الحياة , يبدو عليه أنه أخرج للتو من مياه البحر !
تذكرت صغيرتي قبل أيام قالت لي أنها تشتهي أكلة سمك مشوي على الفحم ,  فقلت في نفسي " جاءت على رجليها "
قلت له : ضع لي ثلاثة كيلو من السمك , نظر إليَّ باستهجان , لأن العدد قليل جداً , قلت له ضعهم وإلا سأغير رأيي ,  فأنا لا أفهم لغة السمك , ولا أتناوله إلا ما ندر , فوافق على مضض , ثم أردفت , ونظفهم جيداً فأنا أريدهم الآن للطبخ !
أخذت منه السمك وأنا يملأني الحبور .. في منزلنا سمك طازج قادم من البحر الآن  !
درت به على جميع أفراد الأسرة .. منهم من صفق بحرارة , ومنهم من صفرَّ من الفرحة ,  ومنهم من قال بابتهاج شديد  " يسعد الله " , ولكن الكل أجمع على أننا نريد أكلة سمك مشوي على الفحم .
قلت : في الغد يا أسرتي الجميلة , نجتمع في موعد السهرة , وأعد لكم سمكاً مشوياً على الفحم لن تنسوه طوال حياتكم .
نام الجميع يحلم بالسمك .. أما أنا فحاولت أن أعثر على وصفة جيدة من الإنترنت لأحصل على أشهى طبق سمك , ولكن الوقت كان يطير من بين يدي كالبرق , فوعدت نفسي في الصباح , وبعد أن أعود من عيادة الطبيب , سوف أبحث عن وصفة جيدة ,  وأطبقها بالحرف الواحد , لتشهد نجاحاً لا مثيل له .
رآني الطبيب , قال بأن الحل يكمن في الحقن , وأن عليه أن يحقنني إبرتين في كل مفصل من مفاصل الرسغ حتى نحلَّ مشكلة الألم , ووافقت مضطرة , وعلى مضض أيضاً , وبعد أن حقنني بهما , قال لي بالحرف الواحد :  اليوم .. لا تفعلي شيئاً بيديك .. اليوم راحة .. لأجل أن يسري مفعول الإبر في يديك على الوجه الأمثل .. نظرت إليه باستغراب , ففهم على الفور , وقال المطاعم في هذا البلد كثيرة , دعيهم اليوم يأكلون من إحدى المطاعم .
عدت إلى المنزل وفي نيتي تأجيل طبق السمك إلى إشعار آخر , لكن ابنتي الكبرى تبرعت بإعداد السمك ,  وقامت بالفعل بذلك , لأجل أن نحظى بوجبة سمك شهية  , وفي موعدها .

عند المساء رنَّ جرس الباب مرة أخرى , فتحت الباب , فإذ به المسؤول عن صيانة أفران الغاز , قلت له أنني أشم رائحة غاز تتسرب من الفرن , وهو مغلق , ربما الأنابيب بحاجة إلى تبديل .
فاجأني بالرد أن العيب ليس من الأنابيب , بل ربما يكون من فرن الغاز نفسه , وأنَّ عليه أن يأخذ الفرن  معه إلى محل التصليح , فقلت لا يمكنك ذلك اليوم , لديَّ عشاء , قال بالحرف الواحد : " مدام سآخذ الفرن يعني سآخذه , أنا لا آتي مشواراً  كهذا وأعود منه فارغ اليدين , ثم إنها مسألة خطيرة جداً , وأشار إلى ساعديه ليريني كيف احترق شعر ساعديه بينما كان يهم بإشعال أحد أفران الغاز وذلك لأنها كانت تعاني من  تسريب للغاز .
 خفت , خفت جداً .. لكنِّي أحتاج الفرن في المساء , لإعداد السمك المشوي , فرفضت !
في السهرة قلت لأسرتي المنتظرة على أحر من الجمر , سأريكم طريقة إعداد الفحم الجديدة , لأنني وحدي من يعرفها  ويتقنها , ووافق الجميع على مضض لإنقاذ مشروع السمك المشوي .
أحضرت الفحم ووضعته على أكبر عين من عيون الغاز , ولم أفكر ساعتها إلا بإشعال الفحم .. الكل استنكر هذا الإجرام , لكنِّي قلت لهم , بل وأصريَّت على أنها أفضل طريقة للشي .. وقمنا بنقل الجمر المشتعل إلى الكانون في الخارج , ولكني تفاجأت بأن "  الفلتر " الموضوع فوق فرن الغاز قد لحق به الضرر , وانهارت شاشته على الفور,  فخفت من حريق كبير .. أطفأت الغاز على الفور , وقلت في الصباح أنظر في أمره .
جهز السمك بعد جهد وعناء , وتناولنا العشاء والكل سعيد وراضٍ كل الرضى , لكنِّي قلت لهم بأن أي عملية شواء في المرة القادمة ستكون في البرَّ , وليس في المنزل .
في الصباح وعدت نفسي أن أتناول قسطاً من الراحة حتى أتم علاجي على الوجه الأكمل , ومنيت نفسي بكوبٍ من القهوة مع الحليب , وعندما هممت بوضعها في " فرن الميكرويف "  تفاجأت بأنه لا يعمل !
 هوى قلبي من الخوف , فالفرن  جديد , لم يمضِ عليه في بيتنا  أكثر من شهر !
 نظرت حولي وأخذت أتفحص باقي الأجهزة الكهربائية  فوجدت أن التيار الكهربائي مقطوع عنها بالكامل , استغربت , ولكني نظرت إلى " الفلتر " وتوقعت أنه قد يكون هو السبب .
 أرسلت وراء شركة التصليح , وكان ظني في مكانه , لقد خسرت الفلتر ,  ثم نظرت إلى فرن الغاز بعد أن نظفته عاملة التنظيف وأخبرتني أنه ربما تضرر من طريقة وضع الفحم على رأس الغاز مباشرة , بالتالي احترق سطحه بعض الشيء .

نظرت حولي , وأحصيت الخسائر , وقلت في نفسي ربما كان السمك في حالة غضب , وكانت هذه هي خطاياه , أو ربما هي أخطائي في الشواء , ولكن هل تستحق أكلة سمك مشوي كل هذا العناء ؟؟؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

من خاطرتي بين شفتي الكلام

من خاطرتي دون مقدمات