ابن القمر
ابن القمر
يا ابن القمر , عليك أن تخاف قليلاً !
الشمس توشك على المغيب , الشمس التي لم تغيِّبها
أعاصير الظلم في عصور الظلام , تراود
نفسها الثكلى الآن على المغيب !
عليك أن تخاف يا ابن القمر , لأنك ستبقى
وحيداً , لن تمدَّ الشمس ذراعيها ككل مساء وتطوقك بحنان الأم قبل المغيب , ستصبح
وحيداً , بارداً , منعزلاً , لأن الشمس الآن وحيدة , باردة , منعزلة , وتراود
نفسها الثكلى على المغيب الأخير .
هذه الأرض يا ابن القمر أصبحت طافحة بالخراب
, هجرتها العصافير المغردة , ولم يبقَ
فيها إلا طائر البوم , ينعق بالخراب , فكم قلت لك يا ابن القمر , يا ابن تلك
البلاد البعيدة , أنا أُكلت يوم أكل الثور الأبيض , ولكنك لم تكن لتصَّدقني !
كم راهنْتَ على الفرس الشقراء , والفرس
المتمردة , والفرس الجامحة , وكانت النتيجة صفراً في الهواء , وعلى الأرض خراب يمتد من الصحراء إلى الصحراء , ومياه
البحر الحزينة هاجرت خلف أسراب العصافير المغردة إلى بلاد مجهولة , كي لا تسِّلم أجنحتها
لطائر البوم ليبني أعشاشه فوق الماء .
يا ابن القمر المهاجر خلف السحب البعيدة , ترسم صورة الوطن على غيمة , فتحبلُ بالغضب , وترعد , فتضيء السماء قنابلَ تخرج من بين أصابع الأخوة , وفي المساء يسقط كل
الظلام على الأرض فتصبح قبوراً جماعية , وتتشرد البسمة , وتفقد هويتها مع من فقدت
في وطن الطفولة , وتصبح لاجئة في بلاد الفرنجة , ويدعون لها عند كل صلاة !
هاهم الرفاق قد أتوا , عليهم غبار السفر , وشعث
الحرب , كل رفيق منهم يرفع راية ليست له , ويضمر حقداً لا أم له ولا أب , وها هم
أطفال الحقد يكبرون , غرباء على أرض غريبة , أصابعهم متفجرة . حناجرهم متفجرة ,
أناشيدهم متفجرة , وأحلامهم سقفها وضيع .
والأرض تعج بالخراب من المحيط إلى المحيط ,
والصحراء أقفلت أبوابها على الضباع , فلا من مستجير ؟
و الشمس الحنونة تنظر في عيون الرفاق فتجدها شاردة
, تتفحص ملامحهم فتجدها باهتة , تدغدغ أحاديثهم فتجدها غائمة , ولكنها لا تمطر , لأن
في كنفِ الحديث مشاقٍ , ومشانق , وشتاتٍ من لون آخر , على أرصفة الآخر الغريب , وخيام
تلائم العصر من كل لون وعلم ودين !
يا ابن القمر عليك أن تخاف قليلاً , لأن كل
ما حولك قد يشي بك ذات صباح , ويفتن عليك لدى حريم السلطان , فيكيدون لك كيداً , وينكلُّ بك الخفر والحرس
, وأرباب السجن , وكهنة المعابد , وأصحاب اللحى , لأنك كنت تغرد للعشاق في السرِّ,
وكنتَ تهمس همساً مبحوحاً في أذن السهر , وكنتَ رفيق المحبين في ليالي السمر , وكنت
تضم الشمس إليك طويلاً كل مساء عند المغيب , وقبل أن يُؤِّذن الفجر للصلاة في
البشر , عليك أن تخاف يا ابن القمر كثيراً , فكل الرفاق باتوا رفاق الشياطين , والغدر
.
تعليقات
إرسال تعليق