سلسلة جاهلية

جاهلية 1
فتحتُ أبوابَ الجاهلية على مصراعيها .. وصافحت أبا جهل وأبا لهب ..عانقت حمالة الحطب ... وجواري الردة .. وفتيان النرد ورسمت لهم ابتسامة ممطوطة من المحيط إلى الخليج الملتهب .
أودعت في أعماقي كماً من الأسرار .. وطرحت على ذاتي الحائرة بعضاً  من الأسئلة التي لا تحتمل الأجوبة .
من أين جاءوا وأنا التي رممت أسماءهم المتآكلة في قائمة الممنوع من الصرف .. من خطّهم عناوين بارزة في دفاتري .. وصفهم فوق السطر ؟
انتشر الرجال للصلاة والحديث عن صلة الرحم وإغاثة الملهوف وابن السبيل ... وما أن فرغوا من خطبة الجمعة حتى تجمهروا في ذلك الركن القصيِّ .. واختلفت لغة الكلام ..
 أجمع الحضور .. كل الحضور .. على حرمان الإناث من الميراث .
كدتُ أجنُّ وأصرخ في وجوههم : رفقاً بالقوارير يا معشر الرجال .. رفقاً بالقوارير .. وانتابتني رغبة جامحة في أن أستل سيفي الساكن في غمده وأُعمله في تلك الرقاب .. إلى أن التقيت النساء ..
أية نساء هذه ..  أية نساء ؟
أية قوارير هذه ..  أية قوارير ؟
على رسلكِ يا شجر الدرِّ ..  على رسلك ورفقاً  رفقاً في الآباء .. عندها فقط شعرتُ  بحاجة ماسة للاحتفاظ بأكبر عدد من ( القباقيب) ورغبة عارمة في تهشيم أعناق هذه القوارير .. قوارير هذا الزمان  .
قادوني إلى قبورهم  .. قصور من الرخام  .. تعتليها (ثريات) تهبط من السماء تضيء الجدران .. وما وراء الجدران .. لكنها لم تضئ لهم عقولهم وقلوبهم السوداء .
هبت إليَّ حسناء في عمر الورود .. وسألتني بخبث العذارى : ألستُ ساحرة الجمال ؟
ضحكت في سري وقلت : نعم أنت الحسناء الهاربة من العصور الجميلة .. كيف ظهرت في هذا الزمان المعيب ؟
آه يا حسنائي كم هو خوفي عليك  كبير أن تلتهمك عشوائيتهم وغوغائيتهم وعقول يرتدونها  كالطبول الجوفاء .
كنتُ أحسبهم سطور مطفأة في دواوين الأيام .. من سلّط الضوء عليهم .. من أخرجهم من قعر الجحيم ليصطفوا حولي في جولة حرة  للعتاب .. باب العتاب أغلقته أنا  منذ زمن بعيد .. منذ سمحت للذاكرة أن تدفنهم في علب النسيان ولكني اليوم فتحتُ أبواب الجاهلية على مصراعيها وصافحتُ رغماً عني أبا جهل وحمالة الحطب وعانقتُ أزمنة وأفئدة من ورق .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة

حروف متمردة