لستِ وحدك .. مهداة إلى شقيقتي د. ميسون البشيتي . .



لستِ وحدك
إلى شقيقتي ميسون
هذا الصباح لن أدعوك إلى فنجان قهوة حافي القدمين بل سيكون برفقته وجبة دسمة من الذكريات، سنقتسمها كما ألواح الشوكلاتة، نتناولها محلاة بالعسل والسكر المذاب، ونقلب الفنجان لنرى خربشات القهوة على سطح الفنجان، وسنروي عنه كلامًا كذبًا ونضحك كثيرًا على رؤية الفنجان وما تركه إلينا في القعر، وعلى السفح، وما فاض منه فأغرق صحن الفنجان.
أفقت في هذا اليوم النيساني الجميل_ يوم مولدك يا غاليتي_ ونسائم الذكرى تلف المكان، تعطر قلبي وتسري في أوردتي، تدغدغني وتوشوشني أن أفتح لها نوافذ الصباح، وألا أنفرد باستقبالها وحدي فأدعوك كما كل نيسان لمشاركتي هذا الاستقبال.
كنا نتقاسم السرير في الصغر... واليوم أصبحنا نتقاسم هموم الحياة والأوجاع! ربما مضى عقد من الزمن لم أقبِّل وجنتيك في يوم عيدك، وكانت تهنئتي تصلك مشفرة عبر أسلاك الهاتف، لكنّي لم أكن  لأنسَى عيد ميلادك في يوم من الأيام، وكيف كنا نحتفي به كأنه عيد قومي يخص الأمة العربية بأكملها.
أتذكر جيدًا حين كنا في تلك المدرسة معًا... كانت أجواء الامتحانات مخيمة على سماء ذلك الوقت، قلت لي برجاء حار: لا تخلدي إلى النوم وواصلي معي السهر حتى أنتهي من دراسة الامتحان _وأنا التي كنت أقدس النوم المبكر_ هززت رأسي بالموافقة على استحياء وبقيت أنتظر معك، وبعد الانتهاء من الدراسة  قلت لي: ما هو امتحانك في الغد؟
فاجبتك:  فن ... قلتِ: وهل أعددت دفتر الرسم؟
قلت: نعم، ولكنني غير راضية عن ألوان بعض الرسومات!
فقمتِ، وفتحتِ دفتر الرسم صفحة إثر صفحة، وأعدتِ تلوين جميع الرسومات بالألوان الزيتية خاصتك فأصبحت الرسومات مذهلة، وكنتُ بغاية الاندهاش... كيف تحول دفتر الرسم البالي إلى دفتر ينطق بالجمال! وتأكدت ساعتها أن سهرتي معك لم تذهب هباء.
يخطر ببالي دائمًا مشاورينا إلى المدرسة، ثم الجامعة، ثم كيف كنا نجتمع بعد كل سفر، بعد كل زيارة لنجلس ونقصُّ على بعضنا كل ما حدث معنا بالتفصيل والتمثيل، وكان صوت ضحكاتنا يجلجل ذلك المنزل الصغير فتهتز أرجاؤه فرحًا وطربًا ونشوة  حتى تفزع على صوت الضحكة ماما _رحمها الله_ وتحثنا على خفض أصواتنا فنجذبها إلى تبادل الحديث معنا، ثم تنضم إلينا شقيقتنا الصغرى خولة وتطول بنا سهرة ذلك المساء ونحن لا نأبه للوقت الذي ذهب، ولا  للوقت القادم، فنحن معًا وهذا كل ما كان يهم.
اليوم بعد طول المسافات _التي لا تبعدنا أبدًا_ أقول إليك: حتى وإن رحلت ماما فأنتِ لستِ وحدك، أنا وخولة والجميع معك... وأؤكد لكِ أن ذكرياتنا معا مستمرة نحن الشقيقات الثلاثة، سنبقى نجتمع لتبادل الأحاديث، سيجلجل المنزل بالضحكات، ويعمر بفناجين القهوة الطافحة بالحب، وستغرد أحاديث الصباح والمساء.
 ماما باقية معنا، وستبقى معناعلى طول، وهذا الحزن يجب أن يرحل... من هذا اليوم يجب أن تغلقي نوافذ الحزن، وأن تشرعي نوافذ  قلبك للشمس ولهواء نيسان، ولا تنسي أنك زهرة نيسان فلا يليق بك الحزن أبدًا، لا يليق بك إلا الفرح... وتأكدي أنه لو لم نعد نملك إلا تلك الذكريات فهي تكفينا لبسط مساحة من الفرح لا نهاية لها.
انظري إلى مرآتك غاليتي ستجدين أنك لا تزالين الأجمل، والأنقى، والأكثر صفاء ومرحًا، والأشد حيوية... لا تغلقي الباب بوجه نيسان بل أحسني استقباله، أعدي شموع العيد فعيدك لا يزال عيدًا قوميًا نحتفي به كل عام، وانتظرينا، لن تبعدنا المسافات.
لكِ مني آلاف القبلات يا شقيقتي ورفيقة دربي الجميل وكل عام وأنت الفرح الدائم ونيسان الأجمل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة

حروف متمردة