الوعد يا أبتي
والوعد يا أبتي
وعدني أبي حين كنت في الثامنة من عمري بأنه سيشتري لي فستانا ًبعشرة دنانير عندما نرجع للقدس ،وكنت كل يوم اسأله هل سنرجع ؟ فيقول لي : أينعم سنرجع يا ميساء ..وأعود وأسأله والفستان ؟ فيجيبني :سأشتري لك الفستان ..وأحلم كل ليلة بالعودة وأحلم بالفستان ، ترى ماذا سيكون لونه ؟ أحمر ، أم أصفر ، أم وردي ؟।أنا أحب اللون الوردي ، أعشق اللون الوردي ، إذا أريده فستانا ًورديا ً بحزام طويل أعقصه إلى الخلف كالصبايا وأريده فضفاضا له أكثر من طبقة ؛حين أركض يطير معي ويرفرف من حولي كالأميرات ।وصرت أتخيل نفسي كل ليلة الأميرة التي تطير بفستانها الوردي لتجوب حارات القدس وأزقتها كما تعودت أن تفعل منذ سنين وهنا انتابتني الحيرة فمن أي باب للقدس سأدلف ؟هل سأدلف إلى قدسي من باب الساهرة ؟أم من باب الأسباط ؟ إن دلفت من باب الساهرة فهذا يعني شراء أصابع البسكويت المالح اللذيذ الذي اشتقت له ،وإن دلفت من باب الأسباط فهذا يؤكد حتمية شراء أصابع الاسكيمو بالليمون أو (الكازوز )وهنا سال لعابي لمجرد تخيلها ، وحلمت أيضا ب(حارة السعدية ) حيث كنت أبتاع ( رأس العبد )بسكويت بالشوكلاته أيضا ًلذيذة وأشتهيها للآن ..وبقيت في صراعي مع أحلامي حتى كبرت وبدأت أحلامي تتلاشى شيئا ً فشيئا ً، وبدأت أنسى أبواب القدس وتغيب عن بالي ملامحها وأخذتني الأيام وعندما عدت قبل عام قلت لأبي مداعبة آما زلت تريد شراء الفستان لي ؟ فقال لي : أينعم إذا رجعنا ، فقلت ولكن العشرة دنانير لا تكفي لشراء فستان دمية وليس امرأة مثلي ؟ فأجابني وهو يقهقه من الضحك : الوعد وعد يا ميساء وغمرته بقبلاتي وحملت حقيبتي ॥ سافرت من جديد .
أبي كان على وعده وأنا لم أكن!
ردحذفكنت أكثر غيابي من أبي الذي غُيب عن ناظري منذ سنوات
أعتذر منك أبي الأيام أخذتني؛ إنها عام 2020 لم تبقِ شيئًا على حاله للأسف.
أنت معي ولم تغب لحظة من قلبي وفكري وأمام عيوني... لكني نسيت أن أبكيك وأرثيك في ذكرى وفاتك!
لن أتكلم، لن أبوح، سأكتفي بالصمت الذي أصبح ملازمًا لي... سأترك خاطرة كتبتها إليك عندما كنت بيننا لترى بنفسك كيف كنتُ وكيف أصبحتُ... لتعلم يا أبي أن من فقد أباه فقد وطنه وأصبح لاجئًا إلى الأبد.
رحمك الله يا أبي وأسبغ عليك بنعمه ورضوانه