مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في الذكرى الثالثة عشر للرحيل

 

مشوار الصمت
إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الآن أدركت معنى الصمت؛ فالكلام هو: لألئ مضيئة ننثرها في طريقنا؛ تنير لنا عتمة الطرقات والقلوب، تثير الدهشة، تفتح الآفاق، تشق عنان السماء، لكن الصمت: رفاهية لا يمتلكها إلا من جادت بها عليه الأقدار، متعة يتمتع بها من سعد حظه فقط، هبة من هبات الله لعباده الفقراء، نعمة من نعمه، لكنها في هذا الوقت الصعب أصبحت شحيحة، نادرة، وقد تكون بلا أي جدوى.
عندما تصبح الكلمة عاجزة فالصمت أولى أن يتربع مكانها على عرش الحياة! الصمت أصلًا فن من الفنون النادرة والنفيسة؛ لا يتقنه إلا من استوعبه جيدًا، وتدرب عليه مليًا، ومارسه لأوقات طويلة ومتعددة؛ فالصمت قد يخون كما تخون العبرات، وينزلق كالكلمة الطائشة عن طرفي اللسان... قد لا يكون مسموعًا ومدويًا لكنه اخترق جدار الصمت!
أنت يا أبي كنت تصمت كثيرًا، وطويلًا، ونحن كنا نثرثر كثيرًا وطويلًا، لكنك لم تنهرنا في يوم، أو تزجرناعن الثرثرة فهل كانت تروق لك ثرثرتنا؟ هل كنتَ تجدها أملًا منشودًا لك، هل كنتَ تتمنى أن تكون مكاننا؛ فتثرثر مثلنا؟ أم كنت تشفق علينا، وتعرف أنه سيأتي يوم ويطبق الصمت بفكيه على كل حرف وكلمة، ويربط بحباله، ويضيق أنفاس هذه الثرثرة؟
لن أطيل عليك، أو ربما أطيل؛ فأنا جديدة العهد بالصمت، وأصحو أحيانًا من منامي أحاول أن أثرثر قليلًا، أتدرب بين الفينة والأخرى على أن أسمع صوتي حيًا... ثم ما ألبث أن أغرق في نومي، وأنسى كليًا ما كنت أحاول أن أوقظه فيََ!
لا داع لتقلق عليََ يا أبي فالحال ليس مقلقًا، أو موجعًا، أو مبهمًا، الحال نفسه لم يعد بأي حال، لكن مع مزيد من الصمت ربما يصبح حالنا كحالك إن أستطعنا إليه سبيلًا.
نم قرير العين يا أبي فبعدك لا شيء يؤسف عليه؛ بل على العكس تماما أنت من عليه أن يترحم علينا؛ لأننا ربما في مشوار صمتنا القادم قد لا نتمكن من مواصلة الدعاء.
ألف رحمة ونور تتنزل على روحك الطاهرة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

في الذكرى الثالثة لوفاة أخي جواد

في الذكرى الثانية عشر لوفاة أمي