في الذكرى الثانية عشر لوفاة أمي



"لا سمح الله"
في الذكرى الثانية عشر لوفاة أمي
كلما رحل جار أو صديق أو قريب أتذكر الوجع الأكبر يا أمي، يوم رحيلك، كان موجعًا جدًا، وقاسيًا جدًا؛ لذلك، وحتى أستطيع مواصلة هذه الحياة؛ تجاهلته، هربت من هذه الحقيقة المرة، أنكرته كأنه لم يكن، أكملت حياتي على أساس لا بديل له: أنك موجودة هناك،وأنا مسافرة... وسأعود يومًا ما!
لكن هذا الوجع لا يخمد، لا يدخل في طي النسيان، بل يعود للظهور مجددًا إلى السطح، وبشكل أكثر شراسة، ينبش معه الحزن، وألم الفقد، والفراغ الذي أحتل كل شيء في حياتنا، بل احتلنا بالكامل.
في ذلك اليوم الذي رحلت فيه أنزلت علينا خيمة كبيرة من الصبر، أخذتنا في حضنها، لملمت حزننا والتيه الذي كان يعترينا، أوصدت علينا أبوابها وأحكمت الإغلاق، واستسلمنا للصبر؛ كنا بأمس الحاجة إليه في ذلك الوقت، وبقينا داخل هذه الخيمة والصبر يحوطنا من كل جانب، إلا جانب واحد فقط بقيَّ مفتوحًا للزمن، يتأرجح ويؤرجحنا معه؛ كلما هبت ريح شرسة، كلما أمطرت غضبًا، كلما ضاقت وأطبقت على أنفاسنا، كلما اصطدمنا بجدار جديد، كلما تذكرنا ذلك الوطن وغاب حلم العودة، كلما رحل أحد، نجد أنفسنا أمام الوجع من جديد.
تعودت في رسائلي إليك أن أخبرك بكل ما حصل في غيابك، لكن هذه المرة ما حصل ويحصل لم أفهمه بعد، ولا أستطيع أن أختصره إليك في بضع كلمات، أنا أصلاً أحتاج لمن يفسره إليّ، من يدلني كم بقي لنا من الطريق؟ هل طال المشوار حقًا وبعدت المسافة؟ هل لا نزال نملك الرغبة في مواصلة الحلم؟ هل من جدوى للاحتفاظ بهذا الحبل السريّ الذي يتربع في قلوبنا وأفئدتنا؟ حائرة أنا يا أم، وأشعر بالكثير من التيه، وتحاصرني ألف علامة استفهام.
لكن حتى لا ينتابك القلق "لا سمح الله" أعاهدك بأنني: لن أضعف، لن أستسلم، وسيبقى هذا المفتاح السريّ في يدي، وأيادي أبنائي، وأحفادي... إلى أن تعود ونعود.
إلى رحمة الله يا أمي
وسأعود دومًا لنبش الحزن أمامك حتى يتفتت وأبرأ منه
انتظريني دومًا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة