ثورة صامتة
ثورة صامتة
في كل ذكرى انتفاضة انتفاضة جديدة، نتوجع من جديد، نتألم
من جديد، ننبش جراحنا، ونفتش عن موتانا؛ لنسألهم عن أرقامنا: أين وصَلَت في طابور
المنتظرين؟
تتزامن هذه الذكرى
مع انتفاضة أخرى، انتفاضة باسلة، أبطالها هم أسرانا في سجون المحتل الغاصب، صمودهم
لم يعرفه التاريخ من قبل، تحديهم للشراشة والثبوت والتصدي أصبح عنوانًا... إنها ثورة
أيضًا، ثورة صامتة بالأبيض والأسود.
كانت الثورة في مضى قنابل صوتية، تتفجر في آذان العالم
فيسمع رغمًا عنه، أما اليوم فثورتنا صامتة؛ لأن كل من حولنا مصاب بالصمم.
لا داعٍ لرفع
الأصوات عاليًا؛ فالأصوات بُحَّت من كثرة الصراخ لعقود طويلة مضت؛ وهي تشرح لهذا
العالم الذي لا يريد أن يسمع أو يفهم: أن أرضنا ليست للبيع، ليست للمراهنة، ليست
كبش الفداء، ليست ثمن حريتهم وخلاصهم.
عقود طويلة مرت منذ تلك الثورة والمحتل الغاصب تمكن حتى
من ذرات الأكسجين التي نتنفسها، ونحن ما زلنا نحاول أن نشرح للعالم الذي لا يريد
أن يسمع، أو يفهم: أنه ليس من حق أي أحد في العالم أن يقضم من أرضنا؛ ويطعم
الأفواه الجائعة... حتى وإن لم يتوفر لها أي
طعام.
عقود طويلة مضت ونحن في كل عام نحي فيه هذه الذكرى نُصاب بنكبة جديدة... حتى أصبحت حياتنا سلسلة من
الأهرامات النكبوية التي ننفرد فيها نحن عن سائر شعوب الأرض؛ لأنهم ببساطة شديدة اتفقوا
في ليل غابر على إطعام الذئب عشاءنا، وإعطاؤه أرضنا ليرتع فيها، ونجلس نحن
القرفصاء على أبواب خيام منثورة على حدود مجهولة لبقية الأشقاء الذين لا ينفكون في
كل مناسبة بتذكيرنا: أنه لا أرض لنا في ديارهم، ولا أرض لنا هناك في أرضنا، وعلينا
أن ننسى، وأن نتحلى بالمسامحة، وأن نبقى مجرد نكرات متنقلة في بقاع الأرض.
نحن مجموعة
النكرات المنتشرة في جميع بقاع الأرض لا نعرف اليأس، ونصرُّ على أن نجتمع في كل
ذكرى للنكبة لنعلن: أننا لا نزال ننتظر على أبواب الخيام، وسنبقى لاجئين إلى أن
يموت الذئب، أو يرحل عن أرضنا، ولا ضرورة لأن نرفع أصواتنا فثورتنا صامتة لكنها لن
تموت، لاجئة لكنها ستعود.
تعليقات
إرسال تعليق