الظلال

الظلال
جاحظ العينين، بارد الملامح, جامد النظرات، مدَّ يده
بالمصافحة فمددت إليه يدي، اصطدمت بقطعة من الثلج!
سحبتُ يدي، ابتلعتُ دهشتي ثم سألته: هل أطلتُ عليكم الغياب؟ هل مرًّ زمن طويل على آخر لقاء بيننا؟  أجاب بالنفي.
أخذت أتفحص ملامح من حولي بعد طول اشتياق، غمروني بنظراتهم الودودة، وأسرتني دمعاتهم وهي تسيل بصمت على ياسمين الخد، أنا لم أطل الغيبة عليهم... لكنهم ربما شعروا بالاشتياق، بالحنين، بطول الغياب، أو أن خطب ما أصابهم دون أن أدري.
بادرت بأسئلتي المعتادة عن الجميع، لم أغفل عن ذكر أي أحد... لكن لم تصلني منهم أي إجابة مفهومة. توقفت عن طرح الأسئلة ونظرت إليهم مجددًا... الوجوه ذاتها لم تتغير فلماذا لم أعد أفهم أحاديثهم؟ وهم، لمَ لم يعودوا يفهمون حديثي؛ فنظراتهم لا تشي باستيعابهم حرفًا واحدًا مما كنتُ أقول؟!
استأذنتهم بالانصراف فسمحوا لي دون أي تردد أو تذمر، لم يسألوا إن كان في نيتي العودة مرة أخرى، لم يطلبوا مني شيئًا قبل الرحيل، وأنا لم أعدهم هذه المرة بشيء.
نظرت إليهم نظرة أخيرة فانتابني الفزع؛ هل كنتُ طوال الوقت أكلم أشخاصًا أم ظلالاً؟
كنتُ أسمع أصواتًا غير مفهومة، مبهمة، تتمتم بكلمات باردة، خالية من السكر، فمن أين كانت تلك الأصوات تأتي؟
تلفتتُ حولي فلم أجد غيرهم، اقتربت منهم لأصافحهم فمدوا أياديهم _قطع الثلج _  وتمتموا بتلك العبارات الساكنة.
 انطلقت في رحلتي، ابتعدت عن موطن الخطوة، نظرت خلفي فوجدتهم ما يزالون في أماكنهم لم يبرحوها، يلوحون بأياديهم، يسابقون خطواتهم، يلملمون لهاثهم، ثم يعيدون رسم الابتسامة على وجوههم...  لكنها ابتسامات على ملامح الظلال.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة

حروف متمردة