الصامت إلى حين !

الصامت إلى حين !
مهداة إليك ..
إلى الصامت إلى حين !
مني أنا تلك التلميذة التي تعلمت منك وعلى يديك كيف تفكك الحروف وكيف تعيد تركيبها وتشكيلها ووضع النقاط عليها ورسم الدهشة في تلك العيون .
تلك الطفلة التي طالما انتظرتك على أرجوحة الأيام في باب بيتك .. لم تستقبلها أنت بوجهك المضيء بل استقبلتها العواصف العاتية المحملة بالمطر الغزير .. عصفت بها رياح الظنون ..
تقاذفتها أمواج القلق والهمِّ ..
لكنها لم تغادر بيتك .. وبقيت تنظم إليك قصيدة لم تكتمل بعد .. ابتدأتها هناك .. على عتبة بيتك .
عصفورة كانت ..
حزينة كانت ..
وأنتَ كنتَ لا تهوى العصافير الحزينة في حينها .. أو ربما هُيئ لها ذلك .. ربما كنتَ ترسل إليها شارات ودلالات لتبحث هي عن مساحات الفرح في داخلها ..
لكنها لم تجد ..
ربما هي لم تبحث جيداً عن بيارق الفرح ..
وربما عزَّ الفرح في ذلك الحين ..
ومع ذلك كانت كل هجراتها خلفك ..
نحو الشمال ونحو الجنوب .. وحتى نحو عالمك المجهول ..
لم تكلَّ من الطيران ..
ولم تملَّ من الانتظار..
ولم تعصف بروحها نسائم النسيان ..
وأنت تغرق في صمتٍ لا يستطيع أن يقرأه أحد ولا يفكك حروفه أحد .
كانت بعد كل هجرة تعود أدراجها إلى عتبة بيتك .. تقف طويلاً في ذلك الباب .. تقبلّه بعينيها .. وتكتب بتلك الحروف اسمك على غبار الزمان الذي غطى صدر الباب وغطى معه ذلك الزمان الذي أغلقته خلفك كما أغلقت عليك الباب .. وتحاول أن تستشف بحدس عصفورة حزينة أنهكها الطيران .. ماذا يمكن أن يكون وراء هذا الباب ؟
وتقنع نفسها ..
ليس إلا أبخرة الصمت وراء الباب ..
ليس إلا أبخرة الصمت وراء الباب .. وخلف النافذة وتحت عقب الباب ..
وترحل وفي العين دمعة كسيرة وفي القلب بعض من وفاء ينتفض من الحنين والشوق وألم الفراق .
ليس بعد أيها الصامت إلى حين ..
لم تنتهِ الحكاية هنا ..
فالصمت حين يبزغ فجره يشرق الكون بأسره .. وكنتَ أنت ذاك الفجر لذلك الليل الطويل .. مسحتَ دمعة عن الخدِّ وربتَّ بدفء قلبك المعهود على كتفٍ هدّته جبروت الأيام ..
يدك الحانية تلك التي نظمت قصائد الشوق والحنين هي ذاتها يدك التي طبطبت على كتفي بعد كل هذه السنين لتقول لي :_ لم أنساكِ .. لا .. ولن يكون ..
يدكَ التي بثت الأمل في روحي وردت الآمان إلى تقاسيم وجهي المشردة .. وبعثت بعض الفرح إلى تلك الرئة التي خنقتها أصابع الحزن ..
هي يدك أنتَ أيها الصامت إلى حين ..
أما الآن .. إن شئت أن ترحل فارحل .. ولكن تأكد أن قلبي يدعوك للبقاء .. وأنني تعبت من الانتظار على عتبة بيتك .. وأن الصمت يأخذني إليك كل الوقت .. قد بدأت أتعلم أول حروفه كما تعلمت أن أفكك حروف اللغة بين يديك ..
وقد يكون الصمت هو ما سيجمعني بك إلى ذلك الحين .. أيها الصامت إلى حين انتظرني في محراب صمتك .. انتظرني أيها الصامت إلى حين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة