مطري أنت .


مطري أنت
حائرة أنا بين الحروف .. أكتب حرفاً وأشطب آخر .. هذا الحرف يليق بك .. وهذا الحرف لا يليق .. كيف أشكل الحروف على صدرك فتضيء .. كيف أرسمها على شفتيك فتنطق .. كيف أكتبها على قلبك فتحبني أكثر وأكثر وأكثر .. كيف تصبح حروفي رسول محبة إليك  وهي كسيحة .. مختنقة .. لا تقوى على مناورات  الشهيق والزفير ؟
 لم أحتر في يومٍ كحيرتي الآن أمام هذه الحروف وأمامك .. حروفي التي ولدت معي .. وكبرت معي .. وسافرت معي .. وعشقت معي .. أراها اليوم  بالية .. فقيرة .. ضعيفة .. تائهة .. منكسرة .. مشتتة .. حزينة .. وغريبة أمام بهاء هذا الحضور ..
 حروفي يا رفيق وجعي وهمي لا تستطيع أن تقف على ساقيها كباقي الزهور .. لا تستطيع أن تركض إليك كحبات اللوز حين تلتحف كفيك وتطلب منك الاحتماء فيك ..
 حروفي لا تستطيع الطيران كعصفور .. والتحليق كطير .. واختطافك على بساط الريح  لنطوف كنجم ونجمة كل المجرات .. ونكتب على أبوابها أحلى قصائدنا .. الحرُّ منها والنثر والموزون ..
فكيف آتيك كعاصفة هوجاء تقتلعك من الجذور .. كيف يا أيها الرفيق .. إن كانت حروفي فقدت القدرة على المشي والنطق ورسم المستحيل ؟!
أنا متعبة يا رفيق .. وأنتَ في أوجك ..
 أنت كالنجم في سابع سماء تشع عليَّ طِوال الليل وأنا أحاول جاهدة أن أمسك خيطاً واحداً من كل هذا الشعاع .. تريدني أن أقطف كل شعاعك .. كل نورك .. وأنا بالكاد أمسك حزمة .. وأفلت أخرى .. أنا يا رفيق بالكاد تحملني هذه الأرض .. وبالكاد تتعرف عليَّ رقعة أقدامي ..
الكل من حولي يتسابق لإرضائي ساعة الرضى .. ولإغضابي ساعة الذروة .. يفور دمي .. وتغلي في مراجلها أعصابي .. وأحمل بكل ما أوتيت من قوة هذه الأوراق .. وألقي بها إلى صدر الحائط .. فيتحطم قلبه .. دونما ذنب له ..  ودونما أقدم إليه أعذاري واعتذاري ..
وفي الليل بعد أن تهدأ ثورة أعصابي .. أستقبل الليل .. وأنتظر منه أن يهديني شعاعك الذي يأتيني متوهجاً .. " يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ".. أتمنى لو أحلق بك .. أتمنى لو أغمرك وتغمرني وتذوب كل المسافات .. أتمنى لو أعانق هذا النور الذي يغمرك .. أتمنى لو أقطف بعضاً منه لأنير بضيائه هذه الظلمة التي احتلتني ..
 لكن حروفي على الأرض يا رفيق .. لن تستطيع الطيران .. ولن تستطيع التحليق .
أرسل مطرك إليَّ .. أرسل مطرك الآن .. أحيِّ هذه الحروف الميتة .. اجعلها تنتعش في حضورك .. اجعلها تسابق الريح إليك .. اجعلها تقف في وجه الزوابع والأعاصير .. وتصرخ بملء العنفوان .. هناك في تلك السماء البعيدة لي نجم .. أريد أن أقطفه .. أريد أن أضمه إلى حضني .. أريد أن يهطل عليه وعليَّ المطر .. أريده أن يغتسل في حضني ومن همومي يغسلني ..
 أريد لكل الأصوات القادمة مع الريح أن تهدأ .. أن تخرس .. أريد فقط صوت مطرك ينشيني ويطربني .. أريد أن أعود إلى الحياة .. أرسل مطرك يا نجمي الساطع في سابع سماء .. أريد مطرك أن يرويني .. أنت يا نجم شعاع عمري كله .. أنتَ حبات المطر في كفيِّ الطفولة ..  وأنتَ سنين عمري القادمة ..
فتوهج أكثر ..
 وأهطل أكثر ..
 فأنا قد جفت شراييني .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة