حبات المطر

حبات المطر عادات لا أتركها منذ الصغر .. جمع حبات المطر في كفي .. ولعق فنجان قهوة الصباح برأس الأصبع .. هذا حين كنت طفلة غرّة لا تدرك من جماليات الحياة شيئاً .. حين كنت طفلة تهرب من شبح الانكسارات والهزائم التي رافقت مولدها إلى حضن الأمان في قعر الفنجان ووسائد الراحة على أكف حبات المطر .. وكانت هذه هي أجمل عاداتها .. وأحلى أمانيها . كبرت الطفلة ونضجت وأصبحت امرأة لا يشق لها غبار .. امرأة تشرب القهوة كل صباح دون أن تخشى عين الرقابة .. فالقهوة في عرف الشرق ممنوعة للصغار وعادة غير مستحبة لهم .. لذلك كانت تحاك بحبال سرية بعيداً عن عيون الكبار المتوجسين قلقاً وخوفاً من رشفة القهوة .. كنت أتسلل كل صباح إلى غرفة الجلوس وأنتظر في حضن أمي ريثما تنتهي من شرب قهوة الصباح مع أبي ثم أسرق الفنجانين وألعق ما تبقى في قعرهما وأتسلل بعدها إلى فراشهما الدافىء لأكمل رحلة النوم بعد شعور بالغ بالأمان . اليوم وأنا أجمع عاداتي وأحصيها وجدت أنني أعد قهوة الصباح بنفسي .. نعم .. لكنني تركت عادة جمع حبات المطر في كفي .. بل أكثر من ذلك لطالما تعمدت أن أواجهها بمظلة تقيني منها .. وكأنها شر مستطير يقع على رأسي وليس خيراً وفيراً يغسلني من حزن تراكمت فصوله ذات صيف جائر . نكتشف أحياناً بعد أن أصبحنا نساءً لا يشق لهن غبار .. بعد أن أصبحنا نساءً تشرب القهوة دون وجل .. وتتلذذ بها على الملأ .. بل وتواعد فناجين القهوة على الشرفة وفي الحديقة وعلى ضوء القمر .. نكتشف عادة جميلة جداً وهي كيف لم يخطر لنا في البال يوماً أن نشرب القهوة مع المطر .. كما لم يخطر في البال يوماً أن أجمل عادة في الدنيا كانت هي جمع حبات المطر . اليوم فكرت أن أدعو حبات المطر إلى فنجان قهوتي .. اليوم أريد أن أعود لعادتي منذ الصغر أن أجمع حبات المطر في كفي وأن أغتسل بها من حزن قديم عصف بيّ ذات صيف جائر .. أن أغسل وجهي بحبات المطر .. وأن أرشها كاالعطر على ملامحي علها تنتعش وتصحو من سبات طالت إقامتها الجبرية فيه .. وأن أمسح عن عينيِّ غشاوة ألمت بهما لدهر من الزمن وأن أوكد لهما أن ما تريانه الآن صحيحاً وليس هذياناً من وقع المطر .. وأنك لست طيفاً يتراقص على صفحات الخيال .. ولست وهماً من الأوهام التي أرتديها في نزهات البوح الربيعية كي تمنحني بعض الاستمرارية في هذه الحياة .. أنا اليوم عدت لعادتي القديمة .. جمع حبات المطر في كفي .. أنا اليوم أواعد حبات المطر .. أنا اليوم أواعد حبات المطر وأدعوها لتلعق معي برأس أصبعها قعر فنجان قهوتي ..

تعليقات

  1. خاطرتي "حبات المطر" في المكرمة عرب كندا في العدد رقم 38 صفحة رقم 15

    جزيل الشكر عرب كندا والقائمين عليها

    وكل أمنيات التوفيق يا رب

    لمزيد من المتابعة هنا احبتي


    https://www.arabcanadanews.ca/magazine_38/mobile/index.html?fbclid=IwAR0LTME6ZaUhZ-Gs3U1DxZ4rALIQyEBPIb9f6GSsf23by6a0Sf2_ss0T_IM

    #حبات_المطر_عرب_كندا_عصفورة_الشجن

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة