عبس الوطن
عَبس الوطن لن تهدأ ثورتك، لن تفلت من هذا الضجر الذي يحاصرك من كل الجهات، سينال منك القاصي والداني، ويعلنوك على الملأ زنديقًا كفر بتعاويذ الأجداد، ورمى خلف ظهره صورة باهتة الوطن! لم يبقَ فيها حيًا إلا الخراب! إنه يكبر ويمتد وينتشر مع الشمس وذرات الهواء؛ لأنهما لا يجيدان القراءة بين السطور وخلف الأفق، ولا يمتدان إلى الزوايا العميقة ومنتصف الفؤاد، لا يعرفان ماء المحبة الذي شح وانقطع؛ فتربع الخراب على كتفيهما وهبط بنعليه ومشى. في الماضي القريب كنت أعتبر صمتك داءً خبيثًا يجب أن يُجتث من جذوره، أن تُجفف مآقيه وسواقيه ونوابعه؛ فركضت أبحث عن الدواء، هرولت إلى الكتب القريبة والبعيدة، أفتش فيها كيف أداويك؟ كيف أصنع لك رفاقًا من الورق؟ كيف أرسم وطنًا على باطن الكف تشتهيه كل صباح وأنت ترتشف قهوتك؟ كيف أرسم ضحكاتهم الغائبة على جدار بارد كي لا تنساهم وتنسى كيف يكون الضحك؟ كانت الشمس أحيانًا لا تكرهني، تحنُّ عليَّ فجأة فتشرق في أعماقي، وكنتُ لا أكذب خبرًا؛ فأنفض الخريف عن قلبي، وأميط الضجر عن عينيِّ وأمضي في حقول الصباح؛ أقطف من كل حديقة بنفسجة، وياسمينة، وأذيبهم مع رحيق الزعتر، وأرتشفهم