أقدام عارية
أقدام عارية تأتيني أمي كل ليلة في المنام، تطلب مني طلبًا أغرب من الخيال فأركض في الصباح بكل ما أوتيت من عزم في محاولة مني لتلبية هذه الطلبات، أنجح تارة وأخفق أخرى قبل أن أتوقف فجأة وأسترجعها في ذاكرتي _وهي التي عاشت كل العمر لم تطلب مني أن أسقيها جرعة ماء_ فلماذا تأتي كل ليلة وتطلب مني ما هو عصيٌ على الفهم والإدراك؟! لم كل هذه الطلبات والظهور المتكرر في المنام؟ أغير مرتاحة البال أمي أم أنها كسابق العهد تطالع نشرات الأخبار؟ هل ترى المدن الفاضلة كيف طُرحت أرضًا واستبدَّ بها الظلام؟ هل ترى الأشلاء وهي تتناثر كريش الطيور عند الذبح فتصعد روحها إلى السماء مثخنة بالسهام الطائشة وهي تهوي على قلب المدينة وأرصفة الحدائق وأسوار الملاعب وداخل حقائب الدرس وفناجين القهوة على شرفات الصباح؟ ماذا ترى أمي حتى تأتيني فزعة في المنام؟ ماذا ترى؟ وكيف ترى وأنا أحاول أن أغلق عنها كل منافذ الأخبار؛ فلا ترى الصور المفخخة والجثث المتفحمة ولا تسمع صراخ الأطفال وعويل أمهات الشهداء بعد أن طفح بهن الكيل وأدركن أن الموت كان مؤامرة على فلذات الأكباد وأن اللعب على الكلمات كان من مسكنات الأوجاع؟...