اعترافات تاء
اعترافات تاء في الماضي كنتُ أجري حوارتي مع مرآتي... أتكلم وهي تصغي، لا تجادلني ولا تعترض على حرف مما أخبرها به، لا توجه إليَّ النصيحة الهشة، لا تثير الفزع من حولي إن غمزني القمر بطرف عينه، لا ترسم إليَّ طريق العودة مساءً، لا تحصي عدد التنهيدات المسموح بها في حالات العشق المستعصية وتومئ برأسها إن كنتُ على حافة انزلاق عشقي مباغت... لذلك كنت أحب مرآتي، وأحب حوارتي معها. لكن بعد أن غزا الشيب خصلات عمري، وعلت التجاعيد ملامح يأسي،أ خذت أنأى بنفسي عن حديث المرآة، أصبحت أرى فيها وجهًا غير وجهي... يستوقفني عند كل نفس، يقطع حبل أفكاري فتسقط أرضًا، يشتت سعيها بين عقلي وقلبي، يبعثرها على موائد الخريف، وحين أستجمعها ثانية أجدها قد فقدت الكثير من نضارتها وملامحها الصيفية. هجرت مرآتي، شكوتها بحرقة لفنجان القهوة، رشفت منه سنوات عمري ونقشت مكانها رسومًا سرية... في الربع الأول من قعر الفنجان وجه القمر، في الثاني أبياتًا من الغزل، في الثالث خاتم سليمان، وفي الأخير تنهيدات بلقيس... لكن تلاشى كل شيء حين أرسلت السماء قصائدَ من مطر! ساقني الحديث إلى رزمة من الورق، سمحت للقلم أن يرسمني بألف ...