رثاء أمي .
رثاء أمي عام مرَّ وأنا أهرب من نفسي .. أخاف أن أواجهها كي لا أثبّت حقيقة ثابتة وهي أن الموت حق .. وأن الموت استطاع أن يخطفك مني . عام كامل وأنا أهزُّ رأسي موافقة على أن الموت حق .. وحين أخلو إلى نفسي لا تستقر هذه الحقيقة المطلقة في أعماقي ثانية واحدة . أنا لا أستعجل فكرة أن أتقبل أنك لست بيننا الآن .. وأنك لن تكوني في استقبالي حين العودة .. وأنني أدخر إليك كماً من الأحاديث يكاد ينفجر في قلبي ويندلق من بين ضلوعي . حتى هذه اللحظة يا أمي وأنا أكتب إليك هذه الحروف وأنا ممتلئة بالشجاعة والإيمان أتخيل أنك ستقرئين هذه الحروف وكأنها كتبت لآخر لا يعنيني ولا يعنيك فالحقائق يا أم تحتاج زمناً حتى تتغلغل فينا وتصبح جزءاً لا يتجزأ منا .. جزءاً راسخاً فينا .. ركناً موجوداً في أركان حياتنا لا يمكن تجاهله .. أو تجاوزه .. لا أعلم إلى متى سيتم هذا الهروب ولكني لا أستعجل انتهاءه ولا أرغب بوضع النقطة الأخيرة في صفحته .. لذلك كما قلت إليك يا أم أنا أراك الآن بين السطور تقرئين وتقرئين وترتسم علامات الدهشة على محياك الرقيق . راهنتُ طِوال العمر أنك قوية وأنك هزمت الحروب جميعها وهزمت الانكسارات التي مرت فيها ...