المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠١٦

اعترافات تاء

صورة
اعترافات تاء في الماضي كنتُ أجري حوارتي مع مرآتي... أتكلم وهي تصغي، لا تجادلني ولا تعترض على حرف مما أخبرها به، لا توجه إليَّ النصيحة الهشة، لا تثير الفزع من حولي إن غمزني القمر بطرف عينه، لا ترسم إليَّ طريق العودة مساءً، لا تحصي عدد التنهيدات المسموح بها في حالات العشق المستعصية وتومئ برأسها إن كنتُ على حافة انزلاق عشقي مباغت... لذلك كنت أحب مرآتي، وأحب حوارتي معها. لكن بعد أن غزا الشيب خصلات عمري، وعلت التجاعيد ملامح يأسي،أ خذت أنأى بنفسي عن حديث المرآة، أصبحت أرى فيها وجهًا غير وجهي... يستوقفني عند كل نفس، يقطع حبل أفكاري فتسقط أرضًا، يشتت سعيها بين عقلي وقلبي، يبعثرها على موائد الخريف، وحين أستجمعها ثانية أجدها قد فقدت الكثير من نضارتها وملامحها الصيفية. هجرت مرآتي، شكوتها بحرقة لفنجان القهوة، رشفت منه سنوات عمري ونقشت مكانها رسومًا سرية... في الربع الأول من قعر الفنجان وجه القمر، في الثاني أبياتًا من الغزل،  في الثالث خاتم سليمان، وفي الأخير تنهيدات بلقيس... لكن تلاشى كل شيء حين أرسلت السماء قصائدَ من مطر! ساقني الحديث إلى رزمة من الورق، سمحت للقلم أن يرسمني بألف صورة

مقدمة كتابي " بين شفتيْ الكلام "

صورة
مقدمة كتابي" بين شفتيْ الكلام "  ولدت في أيلول فائت فعشقت لأجله كل الخريف .. رضعت الطفولة من ياسمينة كانت تلهو في صحن الدار فأعلنت الولاء لكل أزهار الربيع .. أنا من وطن الحروف النقية .. الحروف التي تحمل أعمدة الفجر في بلادي وتغزل الشمس وتكور القمر وتلملم حبات المطر في جيوب الذكريات .. حروفي هي رسائل عشقي إلى ذلك الوطن بكل شخوصه .. من شمس وهواء وحجارة وأرصفة رَكَضْت عليها طفولتي إلى أن أصبَحت عصية على المسح من جدران الذاكرة .. ما غادرت الوطن يوماً ولا غابت عني تفاصيله .. ولا عشقت تراباً مشابهاً ولا اتخذت لي متكئاً من أية مدينة .. كل البلاد تعرفني مقدسية ولدت وعشت وعاشت فيَّ القدس أكثر مما عاشت في فلسطين .. كل ما أريده منك يا قلم هو أن تقيم صلاة الغائب عن حروفي في باحات الأقصى .. وأن تتحول في الصباح إلى ياسمينة كانت وستبقى في صحن الدار .. وعند الظهيرة إلى شمس حانية تجفف دمع مآذن القدس .. وعند كل مساء تتحول إلى قمر منير يضيء ممرات العتمة .. وفي هزيع الليل أريدك أن تعود إلى أوراقي لتكتب للعالم كيف هو حال مدينتي .

هنا القدس

صورة
هنا القدس هنا موطني وموطن كل العرب .. هنا ولدت .. وسأبقى من القدس .. حتى لو حمّلتُ ألف عنوان .. هنا مربط  قلبي .. ومعقل روحي .. وبوصلة فؤادي .. وهوية لا تغيرُّ مساراتها الرياح القادمة من براثن الشر .. هنا كان بيتي .. ولا يزال .. حتى لو سكنته قبائل الغجر .. وهذه طريق مدرستي .. طاهرة .. عفيفة .. مهما داستها نعال غريبة .. ومشت عليها أقدام لا تعرف معنى الطهر والنقاء .. هذا الحيُّ حيِّنا .. فيه بيتنا الصغير الكبير الممتد على شرفات الزهر .. وإلى الأمام منه بيت جارتنا أم الوفاء .. منه كانت تصلنا رائحة قهوتها وهي تغلي وتفور في مراجل الصباح .. وإلى اليمين كانت تسكن جارتنا أم الفداء .. كانت ثائرة .. قوية .. لا تعرف للهدوء ولا للراحة طعماً .. كنتُ صغيرة جداً .. أقتربُ بفضول طفلة  من باب بيتها لأستمع إلى تلك الأغنية القديمة الجديدة التي عشقتها أذني قبل قلبي وهي تنداح من مذياعها العتيق .. وصوت أم الفداء يصدح معها .. وقد يعلو عليها .. كان صوتها جميلاً جداً .. قوياً .. ثائراً .. وكنتُ أحبُ أن أسمع غناءهما معاً .. وعلى كتف حيِّنا كان يقع بيت أم الأمل .. كانت جميلة ودافئة وحنونة

امراة من زمن الأحلام

امرأة من زمن الأحلام كنا نلتقي على ضفاف الشوق .. أنت تبكي لهفة ، وأنا من الحنين أعتصر .. كنتَ تلقي برأسك المضطرب بين أنامل وردتي الجورية ؛ فتمسح برمشين من جفنيها دمعتك ، ترتشف آهاتك حتى آخر قطرة ، تذيب نبضك الشارد في فنجان من الشهد ، ثم في ساعات المساء تقدمه قرباناً إلى إلهة السهر . كنتَ تظهر كل ليلة عند ناصية الحلم ، تمد إليَّ يدك فألتقطها بخفة المشتاق ، أتدثر بها ، التحفها ، أقرأ طالعها وملامحها وتفاصيل النهار .. ثم نجوب معاً رياض الأحلام نقطف حلماً ونلقي بآخر إلى إن يؤذن الديك وينبلج الفجر من خيوط الظلام . كنتُ أظنُ أن هذا العالم المتسع دائرة صغيرة تنغلق علينا أنا وأنت والحلم .. وأننا داخل إطار هذا الحلم .. ومن هو خارج هذا الإطار هو خارج الحياة .. وأن هذه الحياة أيضاً خُلقت لي ولك ولهذا الحلم .  وكنتُ أظنُ أن أصابع الزمن لن تمتد فتمزق الشرنقة ، وتفتت الإطار ، وتبعثر الحلم ، وتبعثرك أنت في أرجاء المعمورة . تُهتُ خلفك .. كنتُ أحاول لملمة صورك عن الجدران وجمع أناتك المشتتة من كل زاوية أصل إليها ، من كل أرض ، من كل سماء ، من كل رقعة حتى لو كانت رقعة شطرنج .. وفي النهاية كل

مطرٌ أسود

مطرٌ أسود كلما اشتد المطر في الخارج أهرب إليك .. أشتاق للحديث معك بعيداً عن ضوضاء المطر  . كُنتُ أعشق المطر فيما مضى ، عندما كان ناعماً و رقيقاً .. كان يداعب زجاج نافذتي برفق وحنان .. وفي ساعات المساء كان يتناوب مع القمر على السهر ووشوشات الشتاء . كان يداعب زجاج النافذة بخفة فيستسلم القلب لطرقات المطر ويغفو كما تغفو الوردة حين تداعب جفنيِّها أنامل الكرى . المطر اليوم ثقيل .. لم يعد يداعب زجاج النافذة  والقلب والروح والوردة .. بل أخذ يقذف وبجبروت الطغاة  حباته السوداء إلى زجاج الحياة .. لم يعد يداعب جفنيِّ الوردة  بل أصبح يوقظها من أحلامها .. يقلقها .. يؤرقها . . وكثيراً ما كان يمزق بعض أوراقها ويبعثرها . لم أكن أتخيل أن المطر قد يوشح بالسواد زجاج النوافذ .. يصبغ كل شيء تقع بصمته عليه .. يحيل كل شيء إلى سواد  .. حتى رأيت مطر هذا المساء .. إنه مطرٌ أسود ! اليوم فقط  اشتقت لحبات المطر الزلال  .. لحبات المطر الشفافة .. الناعمة .. الدافئة .. الحنونة .. الرقيقة .. المنعشة .. الحيّة .. التي لا لون لها ولا رائحة! رائحة هذا المطر كريهة .. كريهة .. كريهة .. أزكمت

إني أرفضكم

صورة
إني أرفضكم خذوا هواءكم العكر عني .. خذوا موجات التصفيق البلهاء والشعارات المدوية .. خذوا علامات الاستنكار وملامح الاستهجان والاستفهام والتعجب .. خذوا قصائد النحيب والعويل واللطم على خديِّ التاريخ .. خذوا كل شيء عني ودَعُوني .. إني أرفضكم . ماذا لو أني أُضِفتُ رقماً مبهماً في عِداد الأموات ؟! ماذا لو أنهم قالوا هنا يرقد ضريح هذا الغريب ، المجهول ، المسكون بكل الأرواح والأشباح ؟! ماذا لو قالوا أيضاً إن روحه كانت تزأر عند كل مساء ؛ فتتزلزل في داخلها براكين الغضب ، وتنفث رياحها السوداء على وجه الغيم ؛ فتسقط شظايا من مطر ؟ هل أخيفكم أنا ؟ هل يخيفكم وجهي المحترق حين يطلُّ عليكم من نوافذ الأخبار ؟ هل تخيفكم ملامحي الذائبة ، المتآكلة من عوامل المد  والجزر على شطآن الهلاك ؟  إني أرفضكم .. قلبي المحاصر بين هذه الضلوع المهشمة يرفضكم .. عينايّ الغائرتان المنغمستان في وحل الدموع ترفضكم .. بقايا أناتي المتيبسة والمتجذرة  في قاع هذا القلب ترفضكم .. خثرات الدم الرابضة في شراييني ترفضكم .. صوتي ، همسي ، نشيدي ، دعائي ، بكائي ، صلاتي ، كلها ترفضكم . هُجِّرت من بيتي ؛ فألبسوتني خيمة!

عشاق الانتحار

صورة
عشاق الانتحار أنا لا أغرد خارج السرب .. السرب هو من تاه  وتشتت وضاع في بقاع الأرض .. سلَّمَ زمام روحه لجبابرة المنافي .. وضع رأسه بين كفيِّ الظلام وانحنى إلى الأبد . انطلقت كلماتي إليهم صافرات إنذار .. صرخات استغاثة .. نداءات عاجلة لمن بقيَّ منهم على قيد الحياة .. أَن عودوا لأحضان السرب قبل فوات الآوان .. لا صوت لبى النداء .. فقط عادت زخات الصدى . كان لا بد من ارتشاف جرعات متلاحقة من نبيذ الشجاعة لفرد هذه المساحة من البوح على ذراعيِّ الورق ، لِلَفظ آخر الكلمات التي كانت عالقة في حنجرة الخريف ، الكلمات التي لم يستطع الضباب أن يبتلعها ، ولا الغيم أن يقذفها .. فغصَّ فيها الخريف ، وكاد أن يختنق .  ترنح الخريف مثقلاً بخيبة الأمل .. لم يدرِ به أحد .. لم يشعر به أحد .. لم يعد هناك من ينتظر على حافة الصبر غيمة خريفية الأطوار .. بوهيمية الملامح .. كنعانية الحلم . ليست صحراء .. ليست صحراء تلك البلاد .. خضراء خضراء .. فيحاء فيحاء .. لكنَّ أهلها في ازدحام عابر كيوم الحشر .. وفي تشتت وشرود كساعة الحشر أيضاً . في الماضي كنتُ أطلق الرصاص المميت على كل من تُسَوِّل له نفسه الأمارة ب