الجغرافيا الجديدة


الجغرافيا الجديدة
مادة الجغرافيا في المدارس مادة قد تكون مقيتة بعض الشيء ..  في صغري أنا وللصدق والأمانة العلمية لم أكن أكره مادة الجغرافيا حد الموت بل أقل بكثير .. لكن مع الاعتذار الشديد من أساتذة الجغرافيا فهي مادة ليست سهلة .. وليست محببة .. لا إلى الطلاب  في الصفوف الأولى .. ولا إلى الطلاب في الصفوف العليا ..
الجغرافيا لمن لا يعرفها جيداً مادة جميلة بصدق لمن نظر إليها بحب .. ولكنها تقوم على الجانب النظري في وطننا العربي .. وتعتمد كثيراً على أسلوب الحفظ الذي ينطوي على عدم الفهم أحياناً ..
سنوات طِوال وأنا أدرس جغرافية البحر الميت وأحفظها جيداً وأحصل على أعلى العلامات القادمة من عالم الحفظ الصم .. إلى أن كبرت وزرت البحر الميت .. عندها أول شيء خطر ببالي أن أمزق كتاب الجغرافيا !
أول ما يستهل به كتاب الجغرافيا .. وهذا كان فيما مضى .. ولم أطلع للأسف على كتب الجغرافيا الحالية .. ولا أدري أصلاً أن أبقت وزارة التربية والتعليم عليها ضمن المنهاج .. كونها مادة تنسى بمجرد أن نغلق الكتاب لأنها في وطننا العربي تدرس نظرياً ونظرياً فقط ..
المهم أول درس في الجغرافيا كان هو تقسيم الدولة .. بغض النظر عنها مملكة كانت أم جمهورية أم غير ذلك إن توفر .. إلى ثلاثة أقسام وهي :
المدينة .. ويسكنها أهل المدن .. وتشتهر المدن بصناعة كذا .. وكذا .. وعدد سكانها كذا .... وعدد جبالها .. وعدد سهولها .. وعدد أعواد الكبريت فيها ...إلخ  .
الريف .. ويسكنها أهل الريف .. وهي تابعة لمدينة  كذا .. وكذا .. ويشتهر الريف بالزراعة .. وعدد سكانه .. وعدد ينابيع الماء فيه .. وعدد حبات القمح .. إلخ
البادية .. وتسكنها قبائل البدو .. وتشتهر البادية  برعي الأغنام .. ويوجد فيها كذا ألف رأس من الغنم .. ويشتهر البدو بالكرم الحاتمي الشديد .. وعدد قبائل البدو من الصعب حصره لأنه في آخر حرب قامت بينهم بعد داحس والغبراء .. ربما لم يبقَ منهم أحد .
حصة التاريخ كانت أجمل بكثير .. كان كتاب التاريخ يحضر جنباً إلى جنب مع علبة المحارم الورقية .. لفرط البكاء على تاريخ حافل بالهزائم والانكسارات والحروب والتحالفات والمؤامرات وتلبيس الطرابيش وما الخ من تاريخ لا ينسى .. وليس كمادة الجغرافيا الحزينة سريعة الذوبان والنسيان ..
لذا وبناء على ما تقدم .. وحتى تصبح مادة الجغرافيا لا تقل أهمية عن مادة التاريخ  .. وحتى لا ننتقص من حقها بأن يكون إلى جوارها دائماً علبة من المحارم الورقية لتجفيف آبار الدموع التي تتفجر بعد كل مراجعة للكتاب .. قررنا أن نغير بعض الشيء في مادة الجغرافيا كي نخرج أنفسنا من ورطة النظرية العقيمة .. ونقترب أكثر من رؤية التطبيق العملي على أرض الأحلام ..
الجغرافيا الجديدة هي كالتالي ..
تقسم الدول العربية برمتها مملكة كانت أم جمهورية أم أي مسمى آخر إلى ثلاثة أقسام وهي :
مخيم رقم 1 .. مخيمات اللاجئين الفلسطينيين .. وهذا  المخيم أقصد مخيم رقم 1 ما زال يتربع على عرش المخيمات .. ولا ينافسه في ازدياد عدد سكانه أي مخيم آخر .. ويشتهر بأنه غير صالح للاستهلاك البشري .. باستثناء مخيم اليرموك فقد انتهت صلاحيته تماما بفعل فاعل .. ومع ذلك ما يزال ساري المفعول ؟!
مخيم رقم 2 .. مخيمات اللاجئين السوريين وهذه المخيمات بدأت تتزايد بكثرة وتتقدم بقوة لتنافس مخيمات اللاجئين الفلسطينيين لكن من الصعب أن تتفوق عليها بالعدد تحديداً .. لأنه بصراحة لاجئيها ليسوا لاجئين سوريين فقط بل يتقاسم معهم رغد الخيام واللجوء إخوانهم في النضال على مدى الحياة اللاجئون الفلسطينيون .. ولكن مع حداثة هذا النوع من المخيمات ألا أنه ولد غير صالح للاستهلاك البشري أو الإنساني على الإطلاق .. ومع ذلك يتكاثر .. وبشراسة !
مخيم رقم 3 .. وهذا ليس المخيم الأخير .. وليته يكون .. هذا المخيم رقم 3 سأتركه فارغاً لكم .. حتى تعبئونه أنتم بأياديكم الطاهرة .. وتكونون كما قال " المعري "  .. هذا ما جنيته على نفسي ولم يجنِ عليَّ أحد ..
وأعتقد أن كتاب الجغرافيا الجديد سيكون غلافه باللون الأسود حتى لا ينسى أبداً .. وعنوانه الجديد من أي مخيمٍ أنت ؟
وشكرا لكم لأنكم ساهمتم في تغيير مادة الجغرافيا العقيمة .. وأوجدتم عوضاً عنها الجغرافيا الجديدة .. الحديثة .. الحية إن بقيت على قيد الحياة ..
وسجلي يا جغرافيا أنا الذي ....


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة