المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠١٣

رواية

رواية روايتي أنتَ ..   أنتَ  .. أنتَ روايتي .. أقصيك ثم أدنيك .. أسافر إليك ثم أرحل عنك .. أحاكمك .. أقاصصك ثم أصالحك .. أمزقك بشراسة   لبؤة فقدت وليدها للتو  ثم أعيد لملمة قصاصاتك بحنو قطة تجثو على صغارها .. أهجرك وأمعن في هجرك ثم أعود إليك كما تعود قطرات الندى إلى بتلات الزهر عند كل صباح  ..  أنتَ .. أنتَ روايتي .. ولا رواية لي غيرك . بعد أن مسح ذاك الصباح الغجري ذاكرتي .. بعد أن احتلها احتلال الغجر ومسح بهمجيته كل عناوينها .. بعد أن أجهز على جميع غرف الإنعاش فيها ولم يبقَ فيها شيء يتذكرني أو أتذكره  .. بعد أن أصبحت ذاكرتي صفحة بيضاء كنورس صافحت عيناه نور الشمس لأول مرة على شاطىء البحر فأخذ يرسل قبلاته إليها ثم يستردها كمحارب عنيد يتعلم فن مغازلة الحياة .. بعد أن أصبحت ذاكرتي خالية من كل شيء .. بعد أن أصبحت ذاكرتي نورساً أبيض .. ظهرت أنتَ .. ذاكرتي أصبحت خالية من كل شيء .. إلا منك . وحدك من نجا من ذلك الإعصار .. وحدك من صمد في وجه ذلك الاجتياح .. وحدك من ظهر لي من غرفة الإنعاش وطبع  على جبيني ابتسامة الحياة .. وغمر يدي بقبلة هامسة " عود أحمد للحياة  "

وتعطلت لغة الكلام .

وتعطلت لغة الكلام " وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عينيَّ في لغة الهوى عيناك " تعطلت لغة الكلام بيننا .. تعطلت لغة الكلام فينا وحولنا وحوالينا .. تعطلت لغة الكلام وأصبحت الأبجدية صماء .. بكماء .. مشلولة الحركة .. لا تقوى على قلب الصفحة .. ولا تكوير النقطة في آخر السطر الهزيل  من رواية الملل .. كيف تحجرت أبجديتنا الثرثارة .. كيف تجمدت كلماتنا .. وكيف شُيدت  كل تلك الأسوار في وجه حروفنا .. وبين طيات قلبينا .. وأمام ناظرينا ؟ أشتاق لغة الكلام التي كانت تشبهنا وتشبعنا .. أشتاق لغة الصباح حين كنت ترسلها إليَّ مع عصافير الصباح فتوشوشني في أذنيِّ وفي صمامات قلبي كل كلمات الاشتياق .. وتشي بانتظارك صبح الصباح بفارغ اللهفة والشوق حتى لا تطير عصافيرك الموشاة بألوان العشق المخملية الرضاب إليَّ دون أن تحمل منك كلمات الصباح .. وكل الصباح .. اشتقت إلى لغة الظهيرة .. هذا الوقت الذي قدَّ من ذهب .. فالظهيرة في لغة البشر منتصف الوقت بين الصبح والعصر .. هذا الوقت وقت بنو البشر .. يحبونه جداً .. يميلون فيه  إلى النعاس وإلى الكسل .. إلا أنا .. فأنا كنت عصفورة من الشجن .. لا تعرف أبجديتها

الصامت إلى حين !

الصامت إلى حين ! مهداة إليك .. إلى الصامت إلى حين .. مني أنا تلك التلميذة التي تعلمت منك وعلى يديك كيف تفكك الحروف وكيف تعيد تركيبها وتشكيلها ووضع النقاط عليها ورسم الدهشة في العيون . تلك الطفلة التي طالما انتظرتك على أرجوحة الأيام باب بيتك .. لم تستقبلها أنت بوجهك المضيء بل استقبلتها العواصف العاتية المحملة بالمطر الغزير .. عصفت بها رياح الظنون .. تقاذفتها أمواج القلق والهمِّ .. لكنها لم تغادر بيتك .. وبقيت تنظم إليك قصيدة لم تكتمل أبياتها بعد .. ابتدأتها هناك .. على عتبة بيتك .. وكحلتها برمش عينك .. عصفورة كانت .. حزينة كانت .. وأنتَ كنتَ لا تهوى العصافير الحزينة .. ربما هُيئ لها ذلك .. وربما كنتَ ترسل لها شارات ودلالات كي تبحث عن مساحات الفرح داخل قلبها .. لكنها لم تجد .. ربما لم تبحث هي جيداً عن بيارق الفرح .. وربما عزَّ عليها الفرح في ذلك الحين .. ومع ذلك كانت كل هجراتها خلفك .. نحو الشمال .. نحو الجنوب .. حتى نحو عالمك المجهول .. لم تكلَّ من الطيران .. ولم تملَّ من الانتظار.. ولم تعصف بروحها نسائم النسيان .. وأنت تغرق في صمتٍ لا يستطيع أن يقرأه أحد .. ولا يفكك حروفه أحد . كانت

سلسلة جاهلية

جاهلية 1 فتحتُ أبوابَ الجاهلية على مصراعيها وصافحت أبا جهل وأبا لهب ،عانقت حمالة الحطب وجواري الردة وفتيان النرد ورسمت لهم ابتسامة ممطوطة من المحيط إلى الخليج الملتهب . أودعت في أعماقي كما ً من الأسرار وطرحت على ذاتي الحائرة بعضا ً من الأسئلة التي لا تحتمل الأجوبة . من أين جاءوا وأنا التي رممت أسماءهم المتآكلة في قائمة الممنوع من الصرف ؟ من خطّهم عناوين بارزة في دفاتري وصفهم فوق السطر ؟ انتشر الرجال للصلاة والحديث عن صلة الرحم وإغاثة الملهوف وابن السبيل ... وما أن فرغوا من خطبة الجمعة حتى تجمهروا في ذلك الركن القصيّ واختلفت لغة الكلام ، أجمع الحضور كل الحضور على حرمان الإناث من الميراث . كدت أجنّ وأصرخ في وجوههم : رفقا ً بالقوارير يا معشر الرجال .. رفقا ً بالقوارير .. وانتابتني رغبة جامحة في أن أستل سيفي الساكن في غمده وأعمله في تلك الرقاب إلى أن التقيت النساء .. أية نساء هذه ؟ أية نساء ؟ أية قوارير هذه ؟ أية قوارير ؟ على رسلك يا شجر الدرّ .. على رسلك ورفقا ً رفقا ً في الآباء ، عندها فقط شعرت بحاجة ماسة للاحتفاظ بأكبر عدد من ( القباقيب) ورغبة عارمة في تهشيم أعناق هذه القوارير، ق

أوراق تنعي أصحابها

أوراق تنعي أصحابها . سأسافر عبر الزمن .. ليس لأن المسافة الزمنية بعيدة جداً .. لكن لأنها على الأقل ليست بين يديِّ الآن . التقينا في زمن الحرب .. كانت الحرب لا يزال يشتعل أوارها .. وكان من الصعب علينا في تلك اللحظة أن نكتب لأنفسنا ولأصدقائنا ولأحبتنا ولمنتظرينا عهوداً نضمن لهم ولنا فيها الحياة .. فنحن في زمن الحرب   وزمن الموت . أذكرهم جيداً .. أذكر وجوههم جيداً ..   كان وسيماً جداً .. غامضاً جداً .. أنكر اسمه في البداية وشرح إليَّ الأسباب .. في حينها لم أفهم .. كان سريع الخطى .. يضحك بصوت عالٍ كأنه يريد أن يفرض جلجلة ضحكاته على أذني الحياة .. في يوم لمحت الدموع تنساب من عينيه وهو الذي ينكر الدموع .. ويستهجن الدموع .. قال لي .. فقدت ثلاثة من أصدقائي هذا اليوم .. ماتوا .. هكذا وبكل بساطة ماتوا .. لم يبقَ   لي إلا أنتِ .. لا تتركيني .. لا تموتي .. اقهري المرض .. ابقي على قيد الحياة .. لأجلي .. ابقي على قيد الحياة .. كان من الصعب أن نكتب لنا ولغيرنا عهوداً تضمن لنا ولهم الحياة في زمن الحرب وزمن الموت . كان يقفز هنا وهناك طرباً وحياة .. يرمي الضحكات بلا أدنى حساب ..

مطري أنت .

صورة
مطري أنت حائرة أنا بين الحروف .. أكتب حرفاً وأشطب آخر .. هذا الحرف يليق بك .. وهذا الحرف لا يليق .. كيف أشكل الحروف على صدرك فتضيء .. كيف أرسمها على شفتيك فتنطق .. كيف أكتبها على قلبك فتحبني أكثر وأكثر وأكثر .. كيف تصبح حروفي رسول محبة إليك   وهي كسيحة .. مختنقة .. لا تقوى على مناورات   الشهيق والزفير ؟   لم أحتر في يومٍ كحيرتي الآن أمام هذه الحروف وأمامك .. حروفي التي ولدت معي .. وكبرت معي .. وسافرت معي .. وعشقت معي .. أراها اليوم   بالية .. فقيرة .. ضعيفة .. تائهة .. منكسرة .. مشتتة .. حزينة .. وغريبة أمام بهاء هذا الحضور ..   حروفي يا رفيق وجعي وهمي لا تستطيع أن تقف على ساقيها كباقي الزهور .. لا تستطيع أن تركض إليك كحبات اللوز حين تلتحف كفيك وتطلب منك الاحتماء فيك ..   حروفي لا تستطيع الطيران كعصفور .. والتحليق كطير .. واختطافك على بساط الريح   لنطوف كنجم ونجمة كل المجرات .. ونكتب على أبوابها أحلى قصائدنا .. الحرُّ منها والنثر والموزون .. فكيف آتيك كعاصفة هوجاء تقتلعك من الجذور .. كيف يا أيها الرفيق .. إن كانت حروفي فقدت القدرة على المشي والنطق ورسم المستحيل ؟! أ

مطرٌ أسود .

مطرٌ أسود كلما اشتد المطر في الخارج أهرب إلى هنا ..أهرب إليك .. أشتاق للحديث معك ..   بعيداً عن ضوضاء هذا المطر   . كنت أعشق المطر .. هذا فيما مضى .. عندما كان المطر ناعماً يداعب زجاج نافذتي بحنان في ساعات المساء .. قبل النوم .. كان يداعب زجاج نافذتي .. يداعب زجاج قلبي كما يداعب الكرى أجفان العين إلى أن يداهمها شبح النوم الثقيل   . اليوم المطر ثقيل .. لم يعد يداعب زجاج القلب .. لم يعد يداعب زجاج النافذة .. بل أخذ يقذف وبكل ما يملكه من جبروت بحباته السوداء إلى زجاج الحياة .. لم يعد يداعب عينيِّ كالكرى .. بل أصبح يوقظها .. يقلقها .. يؤرقها   . لم أكن أتخيل أن المطر يوشح بالسواد زجاج النوافذ حتى رأيت بعيني مطر هذا المساء .. مطرٌ   أسود .. يصبغ كل شيء تقع بصمته عليه .. يحيل كل شيء إلى سواد   .. لقد اشتقت لحبات المطر الزلال   ..لحبات المطر الشفافة .. المنعشة .. الحيّة .. التي لا لون لها ولا رائحة .. رائحة هذا المطر كريهة .. كريهة .. كريهة .. لقد أزكمت أنفي وأطبقت على صدري .. فهربت إليك .. إلى حيث أشعر بالأمان .. بالدفء .. بالطهر .. بالنقاء .. بالشفا