مطرٌ أسود .

مطرٌ أسود

كلما اشتد المطر في الخارج أهرب إلى هنا ..أهرب إليك .. أشتاق للحديث معك ..  بعيداً عن ضوضاء هذا المطر  .
كنت أعشق المطر .. هذا فيما مضى .. عندما كان المطر ناعماً يداعب زجاج نافذتي بحنان في ساعات المساء .. قبل النوم ..
كان يداعب زجاج نافذتي .. يداعب زجاج قلبي كما يداعب الكرى أجفان العين إلى أن يداهمها شبح النوم الثقيل  .
اليوم المطر ثقيل .. لم يعد يداعب زجاج القلب .. لم يعد يداعب زجاج النافذة .. بل أخذ يقذف وبكل ما يملكه من جبروت بحباته السوداء إلى زجاج الحياة .. لم يعد يداعب عينيِّ كالكرى .. بل أصبح يوقظها .. يقلقها .. يؤرقها  .
لم أكن أتخيل أن المطر يوشح بالسواد زجاج النوافذ حتى رأيت بعيني مطر هذا المساء .. مطرٌ  أسود .. يصبغ كل شيء تقع بصمته عليه .. يحيل كل شيء إلى سواد  ..
لقد اشتقت لحبات المطر الزلال  ..لحبات المطر
الشفافة .. المنعشة .. الحيّة .. التي لا لون لها ولا رائحة ..
رائحة هذا المطر كريهة .. كريهة .. كريهة ..
لقد أزكمت أنفي وأطبقت على صدري .. فهربت إليك .. إلى حيث أشعر بالأمان .. بالدفء .. بالطهر .. بالنقاء .. بالشفافية ..
أنتَ لست كزجاج نافذتي الذي صبغته حبات المطر الأسود .. أنتَ كمرآتي التي لا أرى فيها إلا نفسي .. نفسي الطاهرة .. العفيفة .. الشفافة ..البريئة التي لا تعشق إلا المطر الشفاف .. ولا يرويها إلا المطر الزلال .. وأنت تشبهني .. بل أنتَ أنا وأنا أنت .. فلنحتمِ من عاصفة المطر الأسود قبل أن تصبغ بسوادها ما تبقى من زجاج الحياة  .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة

حروف متمردة