هل كنتَ رقماً ؟


هل كنتَ رقماً ؟
في زمن السقوط لا يرتفع إلا الخفيف .. ولا يطير إلا الخفيف .. ولا يحلق إلا الخفيف ..
وكل ثقيلٍ يهوي إلى الأرض أو إلى تحت الأرض ..
أما ما يرتفع ويطير ويحلق في الفضاء فهو إما ريشة .. أو ريشة .. أو ريشة ..
لذلك لا عجب أن انفضضن من حولك .. لا عجب أن انفضت نون النسوة من حولك ..
وماذا يعني إليهنَّ رحيلك ؟
رحيلك بالنسبة إليهنَّ كان غياب ذلك الجسد ..
ذلك الجسد الذي كان عقداً من الغيرة يزينَّ فيه أجيادهن حين كنَّ يحضرن لمقابلة الصباح في حضورك ..
تنازعن كثيراً على ارتداء هذا العقد ..
وتجاذبن أطراف الخلاف ..
ومزقن كثيراً من القصائد المعلقة .. وعقصن ضفائر الجدال ..
في رحيلك المفاجئ فرط عقد الغيرة حبة إثر حبة .. ولم يبقَ منه إلا ذلك الخيط الرفيع تتعلق فيه بعض الحبات جلسن للنحيب وذرف الدموع والذكريات على باب قبرك ..
فهل تسمع روحك الطاهرة نحيبهن ؟
هل كنتَ رقماً في سلسلة أرقامهن التي تطايرت ريشاً في مهب الريح ..
في زمن السقوط ؟
هل كنتَ رقماً في حسابات اختصرها الزمان على حين غرّة فاختصر معها مشاويرَ كان يقوم بها الصباح كل يوم حين كان يحملهن إليك على ضفاف الشوق ويلقي بهن إلى موائد الشعر ليصبحن قوافي ممتدة حتى آخر النهار .. ليحل الليل ورائحتهن لا تزال تملأ المكان فيأتيك الصباح مترنحاً .. ثملاً .. وبين يديه المزيد من الأجياد المعلقة على أعواد الفجر ..
اليوم لا نساء تتلو الفاتحة على قبر النسيان ..
لا نساء ترتل الأشعار وتصبغ شفتيها بالقوافي الحمراء ..
لا نساء تتزين بعقد الغيرة .. وتتخذ لها من القوافي متكأً من الريش النعام ..
لا نساء تنتحب على باب القبر ..
كلهن ريشة إثر ريشة يحلقن في زمن السقوط ..
ووحدك أنت ..
وحدك أنت تعانق الأرض بلهفة المشتاق .. بعيداً عن زيف جميع النساء .
هل كنتَ رقماً في قائمة عشقهن ؟
أم أنهن مجرد أرقام كُتبت على خاصرة الزمن .. حين تهب رياح الخريف الماكرة سترَاهُنَّ مع أوراق الشجر قد ذبلن وتطايرن وهوَين إلى أرض مجهولة لا تكترث أبداً لهوية من هوى ومن بقيَّ معلقاً كريشة في مهب الأيام .
لم تكن رقماً ..
بل كنَّ هنَّ مجرد أرقام .





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة