رسائل إلى أمي .. الرسالة السابعة والأخيرة .


رسائل إلى أمي
الرسالة السابعة .. والأخيرة .
رسالة مغمسة بالحزن على فراقك يا غالية ..
ما كان في الحسبان يوماً أن تتوقف رسائلي إليك فجأة لتعلن النهاية وتضع حروف النعي مكان حروف الشوق والحنين .
اعتدت أن أشرب القهوة مع عينيك كل صباح .. وأن أدلق همومي وأوجاعي في كأس نهارك .. وأن تمسحي بكلامك الدافئ آثار الوجع والقهر والحزن .
اليوم بعد أن أضحى فنجانك فارغاً .. ومكانك فارغاً .. وصوتك مهاجراً .. لم يعد بإمكان الحروف أن تنطلق من جوفي .. وما عاد بإمكاني أن أحتضن فنجان القهوة بين يديِّ لأنه أصبح بارداً جداً .. يخلو من دفء أحاديثك وأنفاسك .
كنتُ قوية كما كنتِ تتمنين .. عملتُ بوصيتك أن أكون الشجاعة .. القوية .. الصلبة .. التي لا تنهار .. ولا تنحني أمام قسوة الأيام وجبروتها ..
ولكنك أمي ..
أمي وحبيبتي وقلبي ووطني وكل عالمي فكيف سأبقى تلك القوية الشجاعة البطلة التي تقهر الصعاب وأنا أدفن قلبي وأرحل ؟
ومع ذلك أحاول جاهدة أن أكون بطلة مثلك ..
بطلةٌ كنتِ حتى آخر نفس ..
بطلةٌ كنتِ حتى آخر رمق ..
بطلةٌ كنتِ وسجلتِ أعلى رقم في البطولة عندما أخرتِ الموت دقائق معدودة حتى آتيك من غربتي .. وأقبّلُ يديك الطاهرتين .. وأرش جبهتك المقدسية بماء الزمزم ..
وحتى ألقنك أنا ابنتك التي تخاف عليك من نسمة الهواء الشهادتين ..
حينها خفق قلبك بين يديِّ خفقته الأخيرة لكنه لم يغمض عينيه إلا حين أدرت ظهري ففارق الحياة بصمت .
فارق الحياة بصمت ووقار .. كما عاش كل هذا العمر بصمت ووقار .
تركتُ إليك هناك آخر فنجان قهوة .. تركته جانب أريكتك المفضلة .. تركت معه قطعة من قلبي أبت أن تأتي معي .. وتركت على وجه الفنجان ذكريات عمرها يقارب الخمسين عاماً ..
من لي بذكريات معه بهذا الحجم وبهذا الدفء وبهذا الحب .. من لي غيرك يحمل معي هذه الذكريات ؟
اليوم أنا أحملها وحدي فقط ..
أحتضن بين يدي مسبحتك الطاهرة وألثم صورة لك تنام قرب وسادتي وأغمض عينيِّ لأراك تأتينني في المنام .. نتابع حديثنا .. وضحكاتنا .. ونصنع أحداثاً مختلفة تجمعني بك لبعض الوقت .. لأصحو من أحلامي معك على هدوء قاتل وفراغ مميت ..
ولا من رنين هاتف يقطع هذا الصمت ليقول هل ما زلت نائمة يا ميساء ؟
لا يا أمي أنا صحوت .. صحوت مبكرة هذا الصباح وكل صباح لأن هاتفك لم يعد يوقظني ..
هاتفك سكت إلى الأبد يا أمي .. هاتفك سكت إلى الأبد ..
وهذه هي الرسالة الأخيرة التي لن تقرئيها .. ولن تذرفي دموعك الغالية حين تنتهين من قراءتها .. هذه الرسالة الأخير ستبقى معلقة في الهواء .. قد تحن عليَّ روحك الطاهرة فتقرأها ..
لكن بلا دموع يا أمي ..
هذه المرة بلا دموع ..
إلى رحمة الله يا أمي .. إلى جنة الخلد إن شاء الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي

حروف متمردة

سَوْرَةُ الأبجدية الضالة